العيد فرحة ومنحة إلهية ورسالة لوحدة الأمة

الشارع المصري
طبوغرافي

 

جائزة الصائمين وسرور المتقين  

يحتفل المسلمون خلال أيام بعيد الفطر المبارك، باعتباره شعيرة من شعائر الإسلام الحنيف، تنطوي على حكم عظيمة‏، ومعان جليلة‏، وتتعدد غايات وأهداف هذه الشعيرة الإسلامية ما بين إدخال الفرحة والسرور على قلوب المسلمين، وبين كونها فرصة للتقرب إلى الله تعالى، وشكره على إتمام النعمة، وبين كونها مناسبة لتمام أواصر البر في المجتمع بالتوسعة على الفقراء والمساكين.

حول أهمية العيد يؤكد د.يوسف قاسم، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الهدف الأساسي من تشريع الإسلام ليوم العيد يتمثل في إدخال السرور والفرحة والبهجة على قلوب المسلمين بعد أن امتثلوا لطاعة الله تعالى، حيث يأتي العيد في الإسلام بعد عبادة شاقة، فعيد الفطر يأتي بعد صيام شهر رمضان الكريم، وعيد الأضحى يأتي بعد أداء فريضة الحج، وقد شرع العيد في الإسلام ليكون بمثابة جائزة أو مكافأة لكل من أدى العبادة، وامتثل لطاعة الله عز وجل.

حاجة الإنسان

العيد فرحة 2

ويقول: وتعد الأعياد مظهرا من مظاهر الفرح والسرور في الإسلام،‏ ‏ وشعيرة من شعائره التي تنطوي علي حكم عظيمة،‏ ومعان جليلة، فالإسلام لم يأت ليكون طوقا حول رقبة معتنقيه‏، بل جاء تلبية لحاجة الإنسان الفطرية مادية وروحية،‏ وكان مقصده الأسمي في تشريعاته وأحكامه ضبط العلاقة بين الروح والجسد،‏‏ وبين الدنيا والآخرة،‏ حيث يقول الله سبحانه وتعالي‏ في كتابه العزيز: “وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا‏”، ومن مظاهر هذا المقصد الإسلامي استحباب الاحتفاء بالأعياد، ومشروعية الترويح عن النفس من هموم الحياة،‏‏ فضلاً عن أن الأعياد في المقام الأول هي بمثابة احتفال من المسلمين بإتمام الفريضة،‏ فالصائمون يفرحون بعيد الفطر المبارك لأدائهم فريضة الصوم‏، والحجاج يفرحون لأنهم أدوا شعيرة الحج،‏ ويشاركهم المقيمون في أوطانهم ــ من غير الحجاج ــ بالتقرب إلي الله تعالى بالأضاحي إحياء لسنة الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام إلي خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك سما الإسلام الحنيف بمعني العيد وربط فرحته بالتوفيق في أداء الفرائض وشكر الله علي القيام بها‏.‏

قيمة العيد

ويشدد على ضرورة أن تعلي الأسرة المسلمة من قيمة العيد وأهدافه في نفوس أطفالها، بحيث لا يكون مجرد فرصة للهو والترويح عن النفس فقط، وإنما لابد أن يكون إلى جانب ذلك فرصة للتقرب إلى الله تعالى، وشكره على إتمام النعمة، مؤكدا أن الغاية العظمي من الأعياد إدخال السرور والبهجة علي المسلمين رجالا ونساء وأطفالا‏، إلا أنها في الوقت ذاته لم تشرع من أجل الفرح المجرد فقط‏، بل لتمام البر في المجتمع الإسلامي‏،‏ حيث يصبح البر قضية اجتماعية عامة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأغنياء بإدخال السرور على الفقراء في هذه الأيام وتجنيبهم ذل المسألة‏،‏ فقد حث صلى الله عليه وسلم علي مساعدة الفقراء في أيام العيد سواء عيد الفطر أو الأضحى، فقال صلى الله عليه وسلم:”اغنوهم في هذا اليوم”.

ويشير إلى أن الفرح بالعيد له وجوه عدة‏،‏ فهناك من يميل إلي الذكر والعبادات‏،‏ وآخر يؤثر مواساة الفقير والمحتاج بكثرة الصلات‏،‏ والجميع ينشرون جوا من المحبة والوئام في المجتمع بأطيب الكلمات، ‏وأقلها عبارة “كل عام والأمة العربية والإسلامية بخير ويمن وبركات‏”.‏

ويشير الدكتور سيد محمود، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إلى أن الأعياد لم تشرع في الإسلام لتكون مناسبات فارغة المحتوى والمضمون من الدلالات الأخلاقية والإنسانية،‏ وإنما جاءت لتكون مظاهر لقيم الإسلام وآدابه وجمالياته المعنوية والحسية،‏ فالأعياد تجدد الروابط الإنسانية‏،‏ حيث يتجلي السلوك الطيب والأخلاق الحميدة‏،‏ وتشيع التهاني والقول الحسن بين الناس،‏ ويظهر المسلمون بصفة الرحمة التي هي قوام دينهم‏،‏ فتتجدد العلاقات الإنسانية وتقوي الروابط الاجتماعية وتنمو القيم الأخلاقية

ويضيف: كما أن هناك هدفا آخر للأعياد في الإسلام يتمثل في ترسيخ قيم أعمال الخير والبر، بحيث يساعد الغني الفقير، ولهذا ارتبط العيد في الإسلام بشعيرة التصدق، ففي عيد الفطر شرعت زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء، وفي يوم عيد الأضحي جاءت شعيرة الأضحية من باب إدخال السرور علي الفقراء في الأعياد، وبذلك تلتقي قوة الغني وضعف الفقير علي عدالة ومحبة ورحمة من وحي السماء‏،‏ وعنوان ذلك كله‏ الزكاة‏، ‏والصدقة، والإحسان،‏ والتوسعة‏.‏ ويشدد الدكتور أحمد محمود، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على ضرورة أن يعمل رب الأسرة خلال أيام العيد على إدخال الفرح والسعادة علي الأطفال والنساء اقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم‏، ‏فيروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعندها جاريتان في أيام مني تغنيان وتضربان الدف، ورسول الله صلي الله عليه وسلم مسجي بثوبه‏، فانتهرهما أبو بكر‏،‏ فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأسه وقال: “ دعهما يا أبا بكر‏‏إن لكل قوم عيدا‏‏ وإن عيدنا هذا اليوم‏”. ‏ويقول: ليست الفرحة والسرور هي غاية العيد في الإسلام فقط، وإنما إلى جانب ذلك دعا الإسلام في الاعياد إلى زيادة الأواصر الاجتماعية‏ بين أفراد المجتمع المسلم، إذ حث الإسلام علي بر الوالدين وصلة الأقارب ومودة الأصدقاء وزيارتهم،‏ فتتزين المجالس بالحب والتراحم والتواد‏،‏ وتزول الأحقاد والمشاحنات والنفرة من النفوس‏.‏

عادات

يضيف: ويسن إحياء ليلة العيد بالعبادة من ذكر وصلاة وغير ذلك من العبادات‏‏ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلتي العيدين لله محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب‏”، وفيما يتعلق بصلاة العيد فهي تعد مظهرا من مظاهر الفرحة‏،‏ ترتفع الأصوات فيها بالتكبير في بهجة وسرور بما أنعم الله على الأمة الإسلامية من توفيق في أداء الفرائض‏،‏ قال تعالي‏:‏ “ولتكبروا الله علي ما هداكم ولعلكم تشكرون”، والتكبير هو التعظيم‏، والمراد به في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل علي وجه العموم‏، وذلك بكلمة‏ “الله أكبر‏” وهي كناية عن وحدانيته عز وجل بالألوهية‏،‏ لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه‏، ‏ والناقص غير مستحق للألوهية‏;‏ ولذلك شرع التكبير في الصلاة لإبطال السجود لغير الله‏، ويجوز التكبير جماعة وفرادي في البيوت والمساجد‏،‏ إشعارا بوحدة الأمة‏،‏ وإظهارا للعبودية‏ لله عز وجل، وامتثالا وبيانا لقوله سبحانه‏: وتعالى في قرآنه الكريم: “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.