«شق الثعبان».. ربما يثير الرعب لمجرد الاسم، ولكنه وهو القريب من «القلعة»، بدد المخاوف بمجرد التجول فيه، إذ تحول لمنطقة تتميز فى صناعة الرخام والجرانيت.. السير فيه أشبه بمغامرة، حيث أنه الذي يمتد لمساحة شاسعة لا تخلو من البدائية، لا مواصلات في المنطقة، تحت أشعة الشمس الحارقة يندر أن تجد كوب ماء يروي العطش، كانت الفكرة الأولية أنه منطقة صناعية عشوائية، تكثر بها العمالة المؤقتة التي تعمل باليومية، بدون أي مستقبل كأي منطقة عشوائية.
الغريب، أنه تنامى إلينا كثرة العمالة الصينية، نكشف أسرار غزو «التنين الأصفر» - الصينيين- للمنطقة الصناعية، تلك المنطقة التي يحتكر قيادة الأجرة بها سعيد – ذو الثلاثين عامًا- الذي يعمل بالمنطقة منذ أكثر من 10 أعوام، الذي أوضح أن المنطقة خالية تمامًا من وسائل المواصلات الداخلية.
تقع منطقة شق الثعبان شرق طريق الأوتوستراد، بعمق 5 كيلومترات حتى حدود محمية وادي دجلة شرقًا، بمنطقة طره المعادي وتشغل ما يقرب من 1000 فدان، وتقع إداريًا ضمن حي المعادي والبساتين في المنطقة الجنوبية لمحافظة القاهرة، وتضم 300 مصنع وورشة، واكتسبت تلك المنطقة شهرة عالمية لتصدير الرخام والجرانيت، الذى يتم استخراجه من محاجر عدة، أهما «رأس غالِ»، و«العين السخنة».
لا خدمات
يسود المنطقة الطابع الصحراوي، فتلك المنطقة نشأت بشكل عشوائي، نتج عن تجمع العديد من العاملين بمكان واحد بمحض المصادفة، أرضها خالية من وجود معالم الحياة الأساسية، يختفي بين صفرتها خضرة المعيشة، لا يقطن بها سكان، ولا أثر لحيوانات، انعدام المرافق يميزها، مع وجود المصانع التي تحيطها الحافلات الضخمة المُحملة بالمياه، التي تستخدم في تشغيل العديد من ماكينات تقطيع الرخام.. المنطقة نائية، وتفتقر لوحدات الأمن والسلامة، وتنعدم فيها المؤسسات الأساسية للحياة، كأقسام الشرطة، ووحدات المطافي، والمستشفيات، إضافة لعدم تمهيد الطرق، وانعدام الأرصفة.. حقيقة يمكن أن تصفها بـ«حي العصر الحجري».
خارج الحسابات
كشف السائق، الذي اصطحبنا في جولته داخل «شق الثعبان»، أن المنطقة، خصوصًا بعد 25 يناير، تحولت لمنطقة خارج حسابات الأمن تمامًا، موضحًا أنه في أعقاب الثورة، خصوصًا في فترة الانفلات الأمني، قام حراس المصانع، من العرب، باستخدام الأسلحة لترويع المواطنين، والقتل بهدف وضع اليد على تلك الأراضي والمصانع.
الصيني يحتكر المهنة
أوضح سعيد، أن ملاك المصانع المصريين، هم أساس وجود الصينيين في «شق الثعبان»، حيث يتفق صاحب المصنع الأصلي مع المستأجر الصيني، نظير مبلغ متوسط 300 ألف جنيه، نظير إيجار المصنع، وبشرط أن يترك المستأجر الصيني معداته لصاحب المصنع المصري، عقب انقضاء مدة العقد التي غالبًا ما تكون 10 سنوات، كاشفًا أن تلك هي الكارثة، لأنه من حق المستأجر استقطاب العمالة الصينية، من اجل الانتفاع والربح وتوفير إجراءات السلامة المهنية، الأمر الذي يضيّع الفرصة على العامل المصري في العمل بتلك المصانع.
ممنوع الدخول
كان مصنع «ميرال» هو المحطة الأولى البداية التي لم تكن جيدة كفاية، فأعرب الحارس عقب التواصل مع صاحب المصنع، أن التصوير ممنوع، بسبب أن أوراق المصنع غير سليمة، إضافة لوجود عمالة بدون عقود، ولا تأمينات، لذا لم نستطع التوقف في محطتنا الأولى أكثر من ذلك، آملين أن تكون هنالك محطة أخرى نكشف بها حقيقة الأوضاع داخل «شق الثعبان».
«أوقف التصوير!!»
كانت المحطة الثانية هي مصنع «المدينة المنورة»، الصيني أيضًا، فيما ساعدنا مسئول الحماية المدنية – ونتحفظ على ذكر اسمه- بالدخول خلسة إلى المصنع لتصوير ما يدور بداخله، حيث العمالة الآسيوية والإفريقية من جزر القمر وبوركينا فاسو، والمقيمين في القاهرة منذ أكثر من 7 أعوام، والعاملين على ماكينات التبريد، وتقطيع الرخام، لم تمر الدقائق إلا وجاء صاحب المصنع مهرولًا نحو الكاميرا، وصاح قائلًا: «أوقف التصوير!!».
الاحتلال الإيجابي
وعقب شرح الموقف، وإبراز الهوية الصحفية، طلب مهدي أبوزيد – ذو الـ66 عامًا- صاحب المصنع، أن يستضيف محررة "المرصد" والمصور في مكتبه، لشرح الأمر، كاشفًا أن دخول المستثمرين الصينيين والعمالة الصينية لـ«شق الثعبان»، أمر إيجابي، مقارنة بنظيرهم المصري، ولكن بالرغم من ذلك فالعمالة الصينية لا تتجاوز الـ5% من إجمالي العمالة بـ«شق الثعبان» -على حد قوله-.
ولا يعمل بالمكان الذكور من الصينيين فقط، لكن هناك عدد لا بأس به من الإناث يعملن بالمكان، "المرصد" تحدث معهن، وقلن إنهن لم يجدن غير تلك المهنة، لأنهن يجدنها لذلك اضطررنا إلى العمل بها.
النوم أثناء العمل
وعن سر اعتمادهم على العمالة الصينية، قال أبوزيد، إن الصينيين، علموا المصريين الكثير من الإضافات في طرق تصنيع الرخام، إضافة لدمج أنماط جديدة في تصنيع وتحسين شكل المنتج المُصدر، كل ذلك فضلًا عن كون العامل الصيني ملتزمًا بالعمل، ومثابرًا، ومجتهدًا، ويتسم بالأمانة، مقارنة بنظيره المصري، كاشفًا أن كارثة العامل المصري تكمن في النوم أثناء العمل، ويتناسى إغلاق الآلات.
وأوضح أن العامل الصيني يعمل مقابل 250 دولارًا يوميًا، ولكن إنتاجه يدر ربحًا كبيرًا، على عكس العامل المصري، الذي يعمل نظير 150 جنيهًا يوميًا، وفي الغالب يولد خسائر، أو إنتاج من الدرجة الثانية – رديء- موضحًا أن «شق الثعبان»، يُصدر الرخام، قائلًا: «إحنا بنصدر الرخام المصري لدول العالم، وهذا النتاج يحتفظ بالمعايير والمواصفات العالمية، فضلًا عن خلوه من العيوب، نظرًا لحرفة الصيني به».
واختتم صاحب المصنع قائلًا: «لابد من وضع ضوابط استثمارية لصالح البلد والكف عن الشائعات، وبلاش نعمل مثل الدبة التى قتلت صاحبها، لإرضاء العامل المصري الكسول، والحمدلله المصانع مفيهاش أمراض وكل العاملين تم التأمين عليهم».
الحقيقة المؤلمة
وفي طريق الخروج، اعترض طريقنا ممدوح، الذي ساعدنا في استكمال التصوير، كاشفًا أن صاحب المصنع كاذب، قائلًا: «هذا الشخص كاذب، فالعامل الصينى يتمتع بمزايا الأجر المبالغ فيه، فهم يقطنون في أجمل المنازل والأحياء فى مصر ويشترون السيارات الفارهة، أما العامل المصرى فمقهور ومظلوم فى بلده، بيجتهد فى عمله، لكن ليس هناك رقابة على تلك المنطقة، يكفى أننا نتعرض بشكل يومي إلى حوادث تتسبب فى أغلب الأحيان إلى عجز أو فقدان أطراف أصابعنا نتيجة ماس كهربائي، أو سقوط احجار الرخام الضخمة من الأوناش»، واختتم قائلًا: «لا بد من تقنين العمالة الصينية وخلق فرص عمل للمصري الفقير من أجل القضاء على البطالة والاستفادة بخيرات وطننا الحبيب».
العالم الأسود
وفي طريق مُغادرة «شق الثعبان»، ظهرت الفاجعة، التي - آسفين - لم نستطع التعامل معها بالشكل المناسب، نظرًا لعدم جاهزية الأدوات التي يمكن استخدامها، فقد ظهرت منظومة أكبر تُدار من مجرمين، داخل «شق الثعبان»، تتمثل في بيع المخدرات، في ظل الغياب التام لـ«رجال الأمن»، وعلى مرآى ومسمع من الجميع.
شق الثعبان. كنز "صيني" لصناعة الرخام وبيع المخدرات
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة