"إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل له واعظًا من قلبه يأمره وينهاه "

الشارع المصري
طبوغرافي

"إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل له واعظًا من قلبه يأمره وينهاه "
الذى لا يتعظ بما يرى لن تعظ بما يسمع..
الذى يحتاج إلى أحد يقول له افعل كذا، أو لا تفعل كذا، فهو من الذين طال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، الذين نكثر عليهم فى الموعظة، ونكثر معهم فى الحديث هم قست قلوبهم .

اللبيب يوعظ بالإشارة، سريع الفهم، سريع المنطق، سريع الهداية، والسعيد قلبه يقظ، والشقى مات قلبه، بعد أن مرض قلبه، قال تعالى:
{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} إذا أراد الله بعبد خيرًا، جعل له واعظًا من قلبه، لا يحتاج كل منا، إلى شخص يسير بجواره لكى يعرفه حق الله، وحق العباد، لا، وإنما الموعظة تأتى لك موزعة مثل قطرات الندى، الندى لا يتواجد إلا فى فترة زمنية محددة وقصيرة من اليوم، فى بداية اليوم، أو مع الفجر، ولا يستمر اليوم كله، هكذا، فإن العظات البليغة، عبارة عن قطرات الندى، قطرات الندى هى التى تبعث عند الإنسان الرغبة فى تجديد إيمانه .

الذى لا يتعظ بما يرى، لن يتعظ بما يسمع، الذى شاهد الجد عنده مايقرب من مائة سنة قد مات، وفى نفس اليوم بعد أن دفن، مات حفيده بن عشر سنوات فى حادثة، الله أكبر، لست فى حاجة إلى أن أقول اتعظ من هذا.

فإذا حملت إلى القبور جنازة*** فاعلم بأنك بعدها محمول
من لم يتعظ بما يرى من تغير أحوال الناس، لن يتعظ بكل ما يستمع إليه من عظات .
عندما جلس على كرسى الإمارة، قال له عظنى، فقال له يا أمير المؤمنين، أنت لست فى حاجة إلى واعظ، من الذى يعظك؟ أعظ نفسك أنت.

فقال له عظنى، قال له أنت مصِرٌّ، قال له نعم عظنى، فقال له يا أمير المؤمنين لو دامت لغيرك ما وصلت إليك، سبحان الله، هذه هى العظة، كلام بسيط، خارج من القلب، ليصل إلى القلب، يستقرّ فى المسامع، ويستقر فى الوجدان: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) بمعنى أننا مأمورون أن يعظ بعضنا بعضًا، وأن يذكّر بعضنا بعضًا بالله سبحانه وتعالى، ولكن الموعظة المتخولة المتقطعة، التى قال عنها معاذ رضى الله تعالى عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة، مخافة أن نملَّ، فمن ذكاء سيدنا محمد صلوات ربى وسلامه عليه أنه لا يقف واعظًا أو زاجرًا على مدى اليوم كله، وإنما كان يتحين الفرصة صلوات ربى وسلامه عليه، وكان يستثمرها لكى يغيث الأمة، ولكى يروى ظمأها، ولكى يداوى سقيمها .

الواعظ من قلبك، هو الذى يسيطر على مشاعرك، الواعظ من قلبك من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر، فليقل خير ًا أو ليصمت، الواعظ من قلبك هو الذى يذكرك بوقوفك بين يدى قيوم السماوات، والأرض، الواعظ من قلبك هو الذى يذكرك بجهاد سيدنا صلوات ربى وسلامه عليه، إذا مات هذا الواعظ، مات هذا القلب، ومات هذا الإنسان .
القلب الميت الذى قال عنه الملك: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}هذا هو القلب الذى انشغل بالدنيا، فلم يعد يوعظ، ولا يأمر بالموعظة.

قال الملك : {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} الواعظ من قلبك، هو الذى يقول لك: إذا لم تحسن إلى والديك، لم يحسن إليك أولادك .

الواعظ من قلبك هو الذى يقول لك: مهما طال ليل الظالمين، ترقب فرجًا، وترقب فجرًا، ولاحظ أن كلمتى الفرج، والفجر نفس الحروف.

الواعظ من قلبك، هو الذى يذكرك بمسألة فى غاية الأهمية، وهى، أنه مادام القلب ينبض، فلابد أن هناك عطاءً مطلوبًا منك: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} مادام القلب ينبض، فأعرض عن المنافقين، مادام القلب ينبض: { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا }
هذا الواعظ، هو الذى يوقظك، ويذكرك أن كل نفس ذائقة الموت .

الواعظ من قلبك، هو الذى يذكرك أن الله عز وجل لم يخلق الدنيا سدى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} اليوم عمل بلا حساب، وغدًا حساب بلا عمل، وإن طلبت الرجعة، فلن ترجع: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} لن تعود للدنيا مرة ثانية.