هناك قصة استوقفتني، قصها من عايش أحداثها قائلًا: أعرف رجلاً في السبعين من عمره، قابلته في إنجلترا، هو عالم أزهري، وكان قد ذهب إلى إنجلترا ليدرس العلم، وزوجتة أتت معه، هي قد تعدت الخمسين من عمرها، متزوجون منذ ما يقرب من ثلاثين أو خمس وثلاثين سنة، وكان هذا الرجل يحب زوجته حبًّا يفوق الوصف، وفي مرة طلب مني أن أذهب معه لشراء هدية لزوجته، وكان حريصاً على أن تكون جميلة، وأنا لم أعلم، ولم أقدر أن أسأله لم يحبها هكذا؟ وبعد فترة من الزمن وبعد أن رجعنا إلى مصر ذهبت كي أزوره في بيته، فوجدته أدخلني، وطلب مني أن أنتظر لمدة نصف ساعة، وبعد أن رجع، وكان يبدو علي علامات الضيق من الانتظار، قال: أنا آسف، ولكن هذا هو الميعاد الأسبوعي لي أنا وزوجتي منذ عشرين عامًا، نجلس كل جمعة بعد صلاة العصر، ولمدة ساعة نقرأ القرآن، ونذكر الله ونتحدث، فعلمت أن هذا هو سبب هذا الحب.
إن الطاعة التي تجمع بين الزوجين تثمر الحب والرضا والسعادة، ولقد كانت الطاعة في بيوت سلفنا الصالح تحول بيوتهم إلى جنة، فتجعل في هذه البيوت رباط الحب وشجرة القرب التي تثمر الرضا والسعادة.
وصى سيدنا أبو بكر الصديق، وهو على فراش الموت بشيء لا تتوقعه، وصى بأن تغسله زوجته السيدة أسماء بنت عميس، فسأله أحد الرجال: لم؟، قال: إن ذلك أقرب إلى قلبي، وبالفعل غسلته بعد موته.
وفي يوم من الأيام، بعدما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الفراش مع السيدة عائشة، استأذن منها قائلاً: دعيني أقوم لربي ساعة، فترد عليه، وتقول له كلمة رائعة، قالت: أحب قربك وأؤثر هواك- أي أحب إلى أن تكون بجانبي- ولكن ما يرضيك أفضّله على ما يرضيني.
الزوج والزوجة خليلان متلازمان، فكل منهما يتأثَّر بالآخر ويؤثِّر فيه، ولهذا كان الواجب عليهما التعاون على البر، والتناهي عن الإثم ، والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، كما قال - تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ} [المائدة:2]، وجعل التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين، فقال - عز وجل:{وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ}[التوبة 71]، وقال – سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ}[التحريم: 6]، فأوجب على المسلم الاجتهاد في وقاية نفسه وأهله من النار، وذلك بطاعة الله - تعالى- واجتناب معصيته.
كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حثَّ على نكاح المرأة الصالحة، وتزويج الرجل الصالح الذي يُرضى دينه وخلقه، من أجل تحقيق هذه الغاية الجليلة، وهي التعاون بين الزوجين وأولادهما وأهليهما على مرضاة الله - تعالى- والاستقامة على دينه.
وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ((رحم الله رجلاً قام من الليل فصلَّى وأيقظ امرأته، فإن أبتْ نضح في وجهها الماءَ، ورحم الله امرأة قامتْ من الليل، فصلَّتْ وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحتْ في وجهه الماء)) (رواه أبو داود (1308).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته، فصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين اللهَ كثيرًا والذاكرات)) [رواه أبو داود (1309، 1451].
وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: ((استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة فزعًا، يقول: سبحانه الله! ماذا أنزل الله من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ مَنْ يوقظ صواحبَ الحجرات - يريد أزواجه - لكي يصلِّين، ربَّ كاسيةٍ في الدنيا عارية في الآخرة)) [رواه البخاري (6658].الزوج المسلم الصالح التقي هو الذي يعين زوجته على طاعة الرب العلي، هو الذي يحثها على الصدقة ولو من ماله، وهو الذي يذكّرها بقراءة القرآن، وهو الذي يسألها دوماً عن الصلوات، وهو الذي يسألها دوماً عن قراءة القرآن.
هو الذي يتابعها ويقوّم عوجها بالأسلوب اللطيف الحسن والكلمة الحانية، إن الغاية من إقامة البيوت أن نبذر في حقل الإسلام وأرضه بذرة صالحة للطاعة، فالزوج المسلم هو الذي يعين زوجته على طاعة الله، فيحث الزوج زوجته على قيام الليل، وما أحلى وأرق وأجمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً قام من الليل، فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)) فالزوج يفتح قلب امرأته بأن يكون عوناً لها على الطاعة، فيجدوا للإيمان طعمًا، ولليقين حلاوة، وللصلاة سبيلاً، وللقرآن طريقًا.
إن البيوت التي تجتمع على الطاعة وتحرص عليها لها أجر وفضل ونعيم من الله في الدنيا والآخرة:
قال الله تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضى والرزق الحسن وغير ذلك، والصواب أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان، ومعرفة الله ومحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة، وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث: أعني دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار.
ومن الثمرات: (عدم تسلط الشيطان عليهم على البيوت التي تتخذ طاعة الله منهجًا ، فيبعد عنها الشيطان ، ويبعد عنها أذاه وتصبح بيوتًا محصنة بطاعة الله وذكر الله).
قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}، {إنه ليس له سلطان} أي: قوة وتسلط على إفساد الذين آمنوا وإضلالهم، ما داموا متوكلين على الله.قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} قال الشيخ السعدي رحمه الله : وأما {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بما أنزل الله على رسله عمومًا، وعلى محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بأن قاموا بما عليهم من حقوق الله، وحقوق العباد الواجبة والمستحبة، {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} صغارها وكبارها .وإذا كفرت سيئاتهم ، نجوا من عذاب الدنيا والآخرة .{ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي: أصلح دينهم ودنياهم ، وقلوبهم وأعمالهم ، وأصلح ثوابهم ، بتنميته وتزكيته وأصلح جميع أحوالهم.
نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا محبته ويرزقنا طاعته ويثمر في بيوتنا حب الخالق الرازق فيكون أحب إلينا وإلى أهلنا من زينة الدنيا وما فيها.
إن الطاعة في البيوت تثمر صلاح البال، وتطرد عنها الهموم والغموم.
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة