مع انتشار تقنيات الاتصالات المتطورة ومواقع التواصل الاجتماعي، توقع علماء الاجتماع أن تساهم تلك التكنولوجيا في إعادة الدفء للعلاقات الأسرية على اعتبار أنها توفر فرصة تحديد الأوقات المناسبة للقاء والتلاقي، تحقيقاً لمقصد مهم من مقاصد الشريعة الإسلامية وهو صلة الرحم، ولكن العكس ما حدث، واستعاض العرب والمسلمون بتلك التقنيات عن الزيارات واللقاءات، وأصبح المسلم يكتفي بالتواصل عبر الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» وغيرها ولا يزور أقاربه إلا في المناسبات الضرورية، ما أدى إلى مزيد من قطيعة الرحم وهو ما يطرح أسئلة عديدة مثل: هل يجوز أن يكتفي المسلم بالتواصل مع أقاربه عبر هذه المواقع، ويكون ذلك بديلاً للزيارة
بذل الخيريقول الدكتور أسامة العبد - عضو هيئة كبار العلماء، إن الإسلام كرس لأهمية صلة الرحم والتواصل بين أفراد الأسرة الواحدة على اعتبار أن الأسرة جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي هو عبارة عن مجموعة من الأسر، ولكن للأسف، فإن وضع العلاقات الأسرية اليوم لا يرضي أحدا ففي وقتنا الحالي نرى أموراً عجيبة، حيث الناس قد أهملوا العلاقات الأسرية بشكل كبير، الأبناء يهملون الآباء والأخوة يهملون أخوتهم وعلى مستوى الأخوال والخالات والأعمام والعمات حدث ولا حرج، حيث ترى من القطيعة، ما يتوجع له القلب وتدمع له العين، ينشأ الأبناء وهم في قطيعة مع الأقارب، يتحججون بالانشغال في مجريات الحياة بزعم أن مشاغلها لا تنتهي وهكذا أصبحت الأجيال لا تعرف أبناء عمومتها ولا الأرحام.
الزيارات المستمرة
ويضيف: «إن مسؤولية تلافي ظاهرة قطع الرحم التي انتشرت في مجتمعاتنا الإسلامية تقع بشكل أساسي على الأهل في المقام الأول، فعلى كل أب وأم تربية أبنائهم على صلة الأرحام بالزيارات المستمرة ولا بد من النصح والتوجيه والإرشاد بل وإجبار الأبناء جبراً على صلة رحمهم بكل الوسائل المتاحة وتحديد أوقات لزيارة الأقارب والاطمئنان عليهم في حالات الفرح والحزن وكل المناسبات، إننا نحتاج إلى تربية أطفالنا وأولادنا منذ الصغر على صلة الرحم، مؤكدين لهم أن الرحم معلقة بالعرش تقول «من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» وعلينا كعلماء دين أن نوضح دوما للمسلمين أن التواصل مع الآباء والأمهات والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبنائهم لا تصلح معه هذه الوسائل التكنولوجية، لأنهم يحتاجون للمدد الحسي والرؤية فلا قيمة لرسالة قصيرة أو تهنئة عبر «فيسبوك» أو «تويتر» مع إنسان مريض لا يجد ثمن العلاج أو لو وجده لا يجد من يشتريه له ويحرص على تعاطيه في مواعيده المحددة.أجر وثواب
وتقول الدكتورة آمنة نصير -العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: إن تكنولوجيا الاتصالات التي اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة تحولت من أداة بناء وتطور للمجتمعات لأداة شغلت الكثير من المسلمين عن أهم واجباتهم الاجتماعية ألا وهي صلة الرحم، حيث كانت سبباً في تباعد الأخوة والأخوات والأهل والأصدقاء، واكتفى الناس بتواصل من خلال أجهزة لا تحقق الدفء الحقيقي، وغفلوا عن الأجر والثواب الحقيقي المتمثل في صلة أرحامهم واعتمدوا في التواصل مع أقاربهم على «فيسبوك» و«تويتر» و«الفايبر» و«الواتس آب»، وغيرها، فبدلاً من استغلالها لتكون أداة إضافية لصلة الرحم أصبح الكثير منا يعتمد عليها اعتماداً أساسياً ويظن أن التواصل عبرها هو كل المقصود من حرص الإسلام على مطالبة المسلمين بصلة أرحامهم، فالإسلام تعامل مع صلة الرحم على أنها حق طوقه الله الأعناق وواجب أكدت عليه الشريعة الإسلامية وللأسف، فإن كثيراً من شبابنا اليوم لا يعلمون معنى أولي الأرحام ويتخيلون أن المقصود به هم الوالدان والإخوة والأخوات فقط ولكن الحقيقة هي أن أولي الأرحام هم القرابة من النسب والمصاهرة .وتضيف: على كل مسلم العمل على صلة رحمه وتفقد أحوالهم ومساعدة من يحتاج المساعدة وليس معنى المساعدة مادية فحسب فقد يكون القريب في حاجة لمن يزوره، والذي لا يعرفه شبابنا إن الله سبحانه وتعالى فرض صلة الرحم في كل دين أنزله لكونها من أسس الأخلاق وركائز الفضائل وأبواب الخيرات.
وتؤكد أن إعادة القيمة الإسلامية لفريضة صلة الرحم تحتاج لحملة تثقيفية إعلامية يشارك فيها الإعلاميون مع علماء الدين للتأكيد على أهمية تلك الفريضة، مشيرة إلى أن صلة الرحم من الإيمان بالله واليوم الآخر، وأنها سببٌ لزيادة العمر وبسط الرزق ومن أعظم أسباب دخول الجنة.
التواصل المباشر
ويشجع الدكتور نصر فريد واصل مفتى مصر الأسبق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، التواصل بين الأقارب عبر وسائل التواصل الحديثة ولا ينكر أهميته، ولكنه يقول: لابد أن نعي أنه ليس هناك أفضل من التواصل المباشر، الذي يحقق المنشود من حث الإسلام لصلة الرحم، فهو ما يحقق التوازن والسلام في المجتمع، فهو تواصل للمحبة والود والألفة بين الجميع، ولابد أن نعي أن الاكتفاء بالتواصل بين الأقارب عبر «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما خطر يهدد علاقاتنا الاجتماعية وروابطنا الإنسانية وأمر لا يليق بالمسلمين.ويوضح أن الكثيرين يبررون عدم حرصهم على صلة أرحامهم بضيق الوقت، والحقيقة أننا الذين نضيع أوقاتنا في العبث الذي لا طائل منه عبر شبكة الإنترنت فنحن بكل المقاييس لا نحسن تنظيم أوقاتنا، وهي آفة في عالمنا العربي والإسلامي، ومن الممكن أن نضيف إلى أسباب غياب صلة الرحم عن أولوياتنا أن كثيراً من المسلمين يجهلون أهميتها صلة الرحم في الإسلام.
وأضاف: أن القرآن الكريم بين أهمية صلة الرحم، وإذا كنا نريد مواجهة العولمة الثقافية التي تحاول فرض أنماط جديدة في العلاقات الأسرية على مجتمعاتنا الإسلامية فعلينا تحصين الفرد المسلم بدءاً من مرحلة الطفولة وتغذيته فكرياً وسلوكياً حتى لا ينشأ منبهراً بالغرب وبكل ما فيه ويضرب بالثقافة والقيم الإسلامية عرض الحائط لأن أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي لبعدنا عن تفعيل القيم والمبادئ الإسلامية الرشيدة، التي تجعل أبناءنا ينبهرون ويتأثرون بطرق تعامل الغربيين مع بعضهم بعضاً، ومن المعروف أن قيمة صلة الرحم غير موجودة بالمرة في الثقافة الغربية، باختصار علينا تربية أبنائنا تربية إسلامية رشيدة تتيح لهم استخدام التكنولوجيا فيما يفيد.
المسلم الأن يكتفي بالتواصل عبر الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي عن زيارة الأقارب
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة