إني حزين، ليس لأمر ذكرته، أو ألم جددته، أو شخص حبيب فقدته، ولكن لصورة كنت آلفها وتألفني، وأتأمل فيها بين الحين والحين فأشعر بالرضا والسعادة، ها هي الصورة الحبيبة إلى قلبي تشحب رويدًا رويدًا وتحاول قصر حيدر أن تمسك بطرفها جاهدة لكنها تتفلت من يدها، ماذا حدث، ما الذي جعل هذا الرونق البهي يتحول إلى ألوان باهتة.
منذ أن وعيت الحياة في قصر حيدر، وأنا أراها مهد المحبة لا يشعر الطفل ولا الصبي ولا الشاب ولا الشيخ وهو يسير في دروبها بغير المحبة والألفة .
كان الناس يتشاجرون نعم، ولكنهم كانوا يعودون سريعًا، يتعاتبون، ثم يتبسمون، ثم يتبادلون الهدايا، ثم يجلسون معًا ليتناولوا أطراف حديث القرية وأحداثها.ربما كان حديث فلانة أو فلان، أو الغيط أو البيت مادة يتجمع حولها المتحدثون والمتسامرون على ضوء القمر، الذي يتسلل نوره من بين أوراق الشجر.
عدت إلى قريتي منذ أيام فوجدت العصبية تطل برأسها، ووجدت بعضًا من عائلات قصر حيدر تتوعد بعضها، ووجدت الخوف يزاحم العصافير على جريد النخيل وأغصان الأشجار، صمتت الطيور كأنها دهشة من هذه القرية الآمنة المطمئنة، كيف تتحول بين عشية وضحاها إلى شيع وأحزاب، كأننا غرباء .نسيت أن أقول لكم: إن المصاهرة والنسب والقرابة في قصر حيدر شجرة متشابكة، من الصعب أن تجد بضعة أشخاص لا تربط بينهم قرابة ولا نسب.
المساعدة والعبادلة الذين عدت فوجدتهم يتخذون العصبية منهجًا أبناء عمومة، بل ثبت من خلال شجرة النسب أن أباهم واحد، لا أقصد سيدنا آدم، ولكن أباهم القريب الجد السادس لجيلي، تخيلت هذين الصبيين يجلسان أمام أبيهم متآخين متحابين وأباهم جدي السادس ينظر إليهما نظرة كلها حنو وإشفاق.ربما لم يدر بخلده يوما أن يتفرع من نسل هذين الصبيين عائلتان كبيرتان ترقص العصبية والتنافر فوق رؤوسهما.
ألا ليت المحبة تعود إلى قصر حيدر، وليت أبناء العمومة يتعانقون فيتساقط من على جباههم غبار العصبية وتعود الألفة إلى دروب قصر حيدر، ويجلس الناس يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث تحت أنوار القمر.
الناس يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث تحت أنوار القمر
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة