لم ترد هذه الفرضية إلا في موطنين مشكوك بهما أحدهما التوراة والتي تقول إن أبناء نوح عليه السلام ثلاثة هم: سام وحام ويافث. والثاني هو فرضية لعالم نمساوي اسمه لودفيك شلوتسر، والتي قد افترضها سنة 1781 ، معتمدا على ما ورد في التوراة . والتوراة قد كتبت بعد سيدنا موسى بسبعمائة سنة (700 )، وبدون سلسلة رواة، فالأخبار فيها لا يصدق كثير منها. ويحسن أن نذكر أنها وردت في حديث موضوع فيه راويان مجرحان أحدهما هو محمد بن يزيد بن سنان والآخر هو أبوه. وجرحهما يحيى بن معين والإمام البخاري وهما من أعظم المصنفين في الرجال.
والقرآن الكريم وهو أصدق مرجع على وجه الأرض لم يذكر أسماء أبناء نوح وإنما قال تعالى { وجعلنا ذريته هم الباقين} { الصافات:77}. إذا ما أمامنا إلا أن نتوجه نحو التاريخ القديم ونحو النقوش. وقد اعتمدنا في ذلك على كتاب ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ) لمؤلفه الدكتور جواد علي. وهو لا يشير في الكتاب كله على طوله إلى أسماء أبناء نوح.
وقد ورد فيه كلام لمؤلف يوناني اسمه (كوينوس كورنيوس) ويذكر هذا المؤرخ تاريخ الإسكندر ويقول فيه: “بأن جيوش الإسكندر لم تتمكن من دخول جزيرة العرب”. إذا هذا المؤلف القديم لم يذكر امة سامية ولا شعوبا سامية وإنما ذكر ( العرب) عن طريق قوله ( جزيرة العرب). والمؤرخ الثاني والذي يذكره جواد علي هو بينليوس( ت. 97 . ب.م ) إن القائد (أوليوس غالوس ) قد خرب مدنا في جزيرة العرب. ومرة أخرى يذكر هذا المؤرخ العرب وجزيرتهم. ولا يشير إلا شعوب سامية لا في الجزيرة العربية ولا في غيرها.
النقوش: لقد وجدت نقوش كثيرة في جزيرة العرب ثمودية ولَحيانية وصفوية، ونقوش أخرى آشورية وسومرية وبابلية في العراق، ولم يرد في هذه النقوش كلها ذكر لا للشعوب السامية ولا للغات السامية .
وقد ذكر بعض علماء اللغات أن هناك تشابها بين هذه النقوش وبن اللغة العربية وخرجوا من ذلك بنتيجة غير صحيحة : وهي أن هذه اللغات لها أم مشتركة هي السامية الأولى. وقد ثبت لدينا أن السامية شعوبا ولغة هي فرضية لم يستطع أن يدلل عليها العالم النمساوي التي افترضها ولا بدليل واحد؛ لأن كل هذه النقوش لم يرد فيها اسم الشعوب السامية ولا اللغات السامية. وإذا فرضية الشعوب السامية واللغات السامية فرضية خرافية.
أما القول بأن بين هذه النقوش وبين العربية الفصحى تقاربا أو تشابها فهو قول لا يقوى إلا أن يستنتج منه أن هذه اللغات لها أم واحدة هي العربية الفصحى أو غيرها ( علما أن العربية الفصحى حديثة الميلاد، وهي تتميز على كل هذه النقوش العربية لأن هذه النقوش وجدت في جزيرة العرب، وفي العراق لا تسمى بالفصحى والتقارب الذي بينها هو تقارب فطري لأن هذه الشعوب نشأت في منطقة واحدة فتقارب الأصوات أحيانا للحروف وتقارب أصوات بعض الكلمات لا يعني أنها مشتقة من أصل واحد؛ لأن الذي يميز لغة على لغة هو طرائق – التركيب – والعربية الفصحى لا تقاربها لغة أخرى بطرائق التركيب. ويضاف إلى ذلك دليلا على أن هذه اللغات ليست من أصل واحد أن أحد الباحثين واسمه عبدالرحمن البوريني كتب كتابا رأى فيه أن الإنجليزية مشتقة من العربية، فقد وجد تشابها متكلفا في 1500 لفظة بين العربية والإنجليزية، ولم يتناول من المعجم سوى ثمانية حروف. وهذا دليل قوي على أن التشابه في أصوات الحروف وأصوات بعض الكلمات هو مجرد تقارب في الفطرة البشرية بين شعوب كل منطقة وبين شعوب العالم بأسره.
وإذا فلنتناول كل ما يقوله الغربيون عنا بمنهج الشك حتى لا نقبل إلا ما هو حق. وما أقل الحق عندهم إذا تناولوا قضايانا، وديننا الحنيف. والله هو العليم الخبير، فالحق له ومعرفة الحق منحة للإنسان منه.
أستاذ اللغة العربية والتفسير السابق بجامعة عمان الأهلية بالأردن
القرآن الكريم هو أصدق مرجع على وجه الأرض لم يذكر أسماء أبناء نوح
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة