قصيدة أبى طالب فى مدح الرسول المعصوم

الشارع المصري
طبوغرافي

عندما نزل الوحى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قاطعته سائر قريش، وكانت قريش تقوم بدعاية مضادة عليه تصيب بها عامة الناس فى قريش.. وغيرها، ومن يفد من القبائل الأخرى، ولكن عندما أُمِر الرسول الكريم من ربه أن يعمم الدعوة فى قريش وغيرها.. أخذ سادة قريش يؤلفون الوفود تارة، والذهاب إلى عمه أبى طالب الذى وقف بنصرة ابن أخيه، ومعه سائر بنى هاشم إلا قليل، وطورا بالذهاب إلى محمد صلى الله عليه وسلم نفسه.. فلم يستجب الرسول الكريم المعصوم لطلب سادة قريش.. فقاطعت قريش أبا طالب وبنى هاشم، وأنذروه بالقتال، ولكنه أكد وقوفه جنب ابن أخيه والانتصار له، بل وأنه سيعتنق دينه لولا خوفه المسبة من قومه. وقد امتدح أبو طالب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقصيدة مطلعها.

وَلَمَّا رأيت القوم لاود فِيهِمُ ... وَقَدْ قَطَّعُوا كُلَّ الْعُرَى وَالْفوَاصِلِ
صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِى بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ ... وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ
والسمراء السمحة: هى الحربة، والأبيض الغضب، هو السيف القاطع. ومعنى هذا أن الوفود لم تصل إلى شيء، وانتهى الأمر إلى التلويح بالقتال. ثم يتكلم أبو طالب عن أن قريشا طلبت منه أن يرحل هو وقومه عن مكة، فيقول:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نَتْرُكَ مَكَّةً ... وَنَظْعَنُ إِلَّا أَمْرُكُمْ فِى بَلَابِلِ
ونترك.. فُتح آخر الفعل؛ لأن التقدير ( أن نترك مكة )، ومثله ( ونظعن ).. وهذا كقول طرفة بن العبد ( ألا أيهـذا اللائمى أحضر الوغـى .. وأنْ أشهدَ اللذاتِ، هل انت مُخْلِدي؟ ).

والتقدير: أن أحضر الوغى، وهذا البيت يعنى أن قريشا قالت لأبى طالب: إما أن ترحل وقومك من مكة، وإما أن تسلم لنا ابن أخيك، أو تكفه عن دعوته.. فطلب أبو طالب من بنى هاشم الانحياز نحوه إلى الشعب، استعدادا للقتال، ولكى لا تتخطفهم قريش، وهم متفرقون فى نواحى مكة. وقد فصلت هذا فى كتابى المكون من اثنى عشر جزءا عن سيرة رسولنا الحكيم المصطفى.

والأبيات التى يطرى فيها أبو طالب ابن أخيه – الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أخيه:
كذبتم وبيت الله نبذى مُحَمَّدًا ... وَلَمَّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
وَيَنْهَضَ قَوْمٌ بِالْحَدِيدِ إِلَيْكُمُ ... نُهُوضَ الرَّوَايَا تَحْتَ ذَاتِ الصلاصل
وَحَتَّى نَرَى ذَا الضِّغْنِ يَرْكَبُ رَدْعَهُ ... مِنَ الطَّعْنِ فِعْلَ الْأَنْكَبِ الْمُتَحَامِلِ
وَإِنَّا لَعَمْرُ اللَّهِ إن جد ما أرى ... لتلتبسا أَسْيَافُنَا بِالْأَمَاثِلِ
بِكَفَّيْ فَتًى مِثْلِ الشِّهَابِ سَمَيْدَعٍ ... أَخِى ثِقَةٍ حَامِى الْحَقِيقَةِ بَاسِلِ
شُهُورًا وَأَيَّامًا وحولا محرما ... عَلَيْنَا وَتَأْتِى حُجَّةٌ بَعْدَ قَابِلِ
وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ- لَا أَبَا لَكَ- سَيِّدًا ... يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِى رَحْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
لعَمرى لقد كَلِفْتُ وَجْدا بأحمدٍ وإخوتهِ دأبَ المحبِّ المُواصِلِ
أقيمُ على نصرِ النبيِّ محمدٍ أقاتلُ عنهُ بالقَنا والقنابلِ
فلا زالَ فى الدُّنيا جَمالاً لأهلِها وزَينا لم ولاَّهُ رَبُّ المشاكِلِ
فمَنْ مثلُهُ فى النَّاسِ أيُّ مؤمَّلٍ إذا قاسَه الحكَّامُ عندَ التَّفاضُلِ
حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غيرُ طائشٍ يُوالى إلها ليسَ عنهُ بغافلِ
لقد عَلموا أنَّ ابْنَنا لا مُكذَّبٌ لَدَيهم ولا يُعْنى بقَوْلِ الأباطلِ
فأصبحَ فينا أحمدٌ فى أُرومة تُقصِّرُ عنها سَورة المُتَطاوِلِ
كأنَّى به فوقَ الجيادِ يقودُها إلى معشرٍ زاغوا إلى كلِّ باطلِ
وجُدْتُ نفسى دونَهُ وحَمَيتُهُ ودافَعْتُ عنه بالطُّلى والكلاكلِ.

والقصيدة ذات معان عالية، وهى نفيسة الدلالة على عظمة حبيبنا صلى الله عليه وسلم الحكيم المعصوم المصطفى، وهى من حيث المستوى الفنى تأتى فى الدرجة الثانية دون شعر المعلقات.