نَسَمَاتٌ لُغَويَّةٌ كلمة: بتـــــاع

الشارع المصري
طبوغرافي

أ.د/أحمد عادل عبد المولى

images (5)

اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.

ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا نعتقد أنها منبتّة الصلة عن الفصحى، ولكنها في الحقيقة من أصل فصيح في لغتنا العربية. من هذا استخدامنا في العامية المصريّة لكلمة (بتاع)، وهي في الحقيقة كلمة عربية فصيحة، وهي كلمة (متاع)؛ فحين تقول مثلا: (الكتاب بتاعي)، أي: الكتاب متاعي، وقال تعالى على لسان إخوة يوسف: "وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا" (يوسف 17).

والسبب أن العرب تقلب الميم باءً أحيانًا ولاسيّما إذا كانت في أول الكلمة، وقد روي عن قبيلة مازن، وهي إحدى القبائل العربية القديمة أنها تقول في (بكر): (مكر).

وجاء في تفسير قوله تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ" (آل عمران 96) أن بكة: لغة في مكة عند الأكثرين، والباء والميم تعقب إحداهما الأخرى كثيرا، ومنه النميط والنبيط فهما اسم لموضع. وقيل هما متغايران: فبكة موضع المسجد ومكة اسم البلد بأسرها.

وعلى أية حال هناك علاقة صوتية بين الكلمتين (بكة) و(مكة) لا شك فيها.
كما أن كلمة (بتاع) تستخدم بمعنى لام الملكيّة التي هي من معاني الإضافة، فحين تقول مثلا: (القلم بتاع زياد)، تعني التركيب الإضافي في الفصحى والعامية أيضًا: (قلم زياد)، والإضافة هنا على معنى اللام، أي: قلم لزياد.

غير أن العامية أضافت تأنيث كلمة (بتاع) فقالت أيضًا: بتاعة، رغم أن الفصحى استخدمت (متاع) للمذكر والمؤنث، فنقول في العامية على الشيء المجهول أو المهمل المؤنث: البتاعة دي، وكأنها دلالة على: سَقَط المتاع، أي الشيء الدنيء الذي لا خير فيه. قال قطري:
وَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ
وفي معنى لام الملكية نقول مثلا: (الصورة بتاعة نغم)، و(الشهادة بتاعة هند)...

وجاء في تكملة المعاجم العربية: "بتع: بتاع: متاع... - وبتاع أكل: نهم، شره. - وبتاع أخبار: متتبع الأخبار ومشيعها...

بتوع: بمعنى لام الملك، مثل بتاع أو متاع، ففي ألف ليلة: وهذا المال والحمول بتوعك: أي ملكك أو لك...: وتقطعت الحبال بتوع المراسي...- بتوعهم: ملكهم، مالهم.
بتاعة: شيء، ففي ألف ليلة: عليك بتاعة من المال..."

وبذلك يتأكد لنا أنه ما من أصل لكلمة (بتاع) الشائعة في العامية إلا (متاع) العربية الفصيحة، قال تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" (النساء 14)..
والله تعالى أعلى وأعلم.