لغة القرآن في رمضان

الشارع المصري
طبوغرافي

أ.د عبد الله جاد الكريم

أستاذ اللغة العربية بجامعة جازان

يُقبل علينا في كل عام شهر الخير، شهر رمضان شهر القرآن، ويهل علينا بالمغفرة والرحمة والعتق من النيران؛ بإذن ربنا الملك الرحمن، واللغة العربية والقرآن وشهر رمضان كلماتٌ يرتبط بعضها ببعضٍ، ففي هذا الشهر الكريم أنزل ربنا الرحمن الرحيم كتابه العزيز، ونحن نقرأ هذه الآيات وغيرها في شهر رمضان الكريم، ننال الثواب العظيم، ولو حاولنا أن نتدبر – مثلاً- قوله سبحانه وتعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْ‌آنًا عَرَ‌بِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[يوسف:2]، نجد أنَّ الله تعالى يرسل الرسول دائمًا بلسان قومه فيعقلون كلامه ويفهمونه، ولكننا أمام دين لكل الناس وقرآن لكل البشر بمختلف ألسنتهم وألوانهم ، يقول تعالى عن نبيه الكريم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[سبأ:28].


وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ«أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي، وَلَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا: بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ... ». كيف يتمكن غير العرب من تعلم العربية وإتقانها كي يؤدوا صلواتهم وكثير من عباداتهم وشعائرهم الإسلامية باللغة العربية؟! والناس مختلفون يقول تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)[الروم:22]. إذن الناس لا يجتمعون إلا في أمر واحد وهو (العقل)، يقول تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[الإسراء:70] ويرى كثيرٌ من المفسرين أنَّ أهم شيء كرَّم الله به الإنسان هو (العقل) وهو موجود في كل البشر، فإذا كان الاختلاف في اللون واللسان وغير ذلك فليجمعنا العقل.


إذن في اللغة العربية سيدة اللغات أمور تتوافق مع العقل البشري، فيمكن لكل البشر باختلاف ألوانهم وألسنتهم وعقائدهم أن يعقلوا العربية ويتعلموها بسهولة أكبر من غيرها من اللغات؛ والله تعالى الخالق لكل شيء والخبير بكل شيء يفعل ما يشاء ويختار ولا معقب لحكمه؛ اختار العربية لتكون لغة القرآن للناس جميعًا {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْ‌آنًا عَرَ‌بِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[يوسف:2]، لما فيها من الأمور التي تتوافق مع العقل البشري وتتفوق على غيرها من اللغات، يقول ابن الأثير في المثل السائر:" اللغة العربية هي سيدة اللغات، وأنها أشرفهن مكانًا، وأحسنهنَّ وضعًا..، وقد جاءت آخرًا، فنفت القبيح من اللغات قبلها وأخذت الحسن، ثم إنَّ واضعها تصرّف في جميع اللغات السالفة؛ فاختصر ما اختصر، وخفف ما خفف".


ومن الأمور العقلية في اللغة العربية:
1- سعة اللغة العربية واتساع معجمها، ينسب للإمام الشافعي قوله أن العربية لا يحيط بها إلا نبي، فثروتها اللفظية تربو عن سبعة عشر مليون كلمة، ولها وسائلها العبقرية في تنمية الثروة اللفظية وزيادتها باطراد؛ كالاشتقاق والتوليد والنحت والتعريب والاقتراض والترجمة..، في الوقت الذي لا يزيد معجم الفرنسية أو الإنجليزية عن المليون الواحد!! وهذا عقليًّا يناسب أنها لغة القرآن كتاب آخر الزمان والدين الخاتم لكل الناس أجمعين.


2- الكلمات العربية لا تبدأ بساكن ولا يلتقي فيها ساكنان ويكره فيها توالي الأمثال.


3- الجمل العربية لا تبدأ بنكرة لأنها مبهمة غير محددة إلا إذا أفادت معنى وبضوابط محددة، والجملة العربية أكثر اختصارًا مقارنة باللغات الأخرى.


4- تقسم العربية الاسم إلى مفرد ومثنى وجمع، وبعض اللغات الأجنبية لا يعترف بالمثنى وهو واقع في مجتمعاتهم!! وتقسم العربية الجمع لجمع قلة وجمع كثرة وهو أمر يتوافق مع العقل.


5- تخصص العربية علامة للمؤنث يتناسب مع تكوينها الجسمي في كثير من الكلمات وهي التاء المريوطة ـ(ــــــة) وكثير من اللغات الأجنبية لا يفعل.


6- انظر إلى الرابط العقلي المعنوي اللفظي بين الكلمات العربية (كتب– كتاب – مكتبة)، وكيف يربط العقل في اللغة الإنجليزية بين الكلمات (write – book – Library) ؟!