أيها الأحباب الكرام، إن أمراض العصر كثيرة أكثر من أن تحصى، وإن أخطر هذه الأمراض الأمراض النفسية والتوترات والاكتئاب والوسواس القهري، لذا جعلنا هذه السلسلة بفضل الله تعالى من أجل التغلب على الأمراض النفسية والوساوس الشيطانية، وأيضا من أجل تعليم الناس كيفية علاج ذويهم من أصحاب التوترات النفسية،
ولقد وضعت الشريعة الإسلامية تحصينات للمسلم إن اتبعها فإنه يتغلب على الوساوس والتوترات النفسية، ونجمل – بفضل الله تعالى – هذه التحصينات في النقاط التالية:
-الثبات على الطاعة والثبات على الإيمان:
متى يتغلب الشيطان على الإنسان؟
يتغلب الشيطان على الإنسان عندما يكون بعيدا عن الله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، الثبات أي لا تبالي بما يلقي إليك الشيطان من وساوس وأمور سلبية.
- الحفاظ على الأذكار:
قد ورد فضل الأذكار في القرآن الكريم، قال الله تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُـرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}،وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}، وقال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}، يحثنا الله تعالى في آياته الكريمة بالمداومة على الذكر وشكر الله دائما، و قال الرسول صلى الله عليه و سلم : "مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه؛ مثل الحي و الميت "، بمعني أنه الذي لايذكر الله بالأذكار اليومية كالميت، والذي يذكر الله دائماً بالحي، وكأن الأذكار تمد الإنسان بالحياة وعدم ذكرها تميته وتميت قلبه.
فالذكر من أهم التحصينات للإنسان، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أذكارا في الأوقات وعند كل الأعمال، تحفظنا من شرور شياطين الإنس والجن، وتحفظنا من شرور مخلوقات الله، فأذكار المساء تحفظنا في المساء، وأذكار الصباح تحفظنا في الصباح، وأذكار النوم تحفظنا خلال النوم، وأذكار دخول الخلاء تحفظنا عند قضاء الحاجة،..
وهكذا فلكل وقت ذكره، ولكل حال ذكر يحفظنا الله به.
ومن هذه الأذكار: (أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيىء قدير؛ رب أسألك خير ما فى هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ما فى هذا اليوم ومن شر ما بعده، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب فى النار وعذاب فى القبر ).
- الابتعاد عن الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها ومضاعفة الأعمال الصالحة والإكثار من الدعاء وطلب الثبات من الله تعالى والإكثار من دعاء: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} ودعاء : ((اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك)).
- الاستعاذة بالله تعالى من كيد الشيطان:
ومن الأمور التي تحصن الإنسان أيضا دوام الاستعاذة بالله تعالى من شر الشيطان الرجيم، ﴿وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فُصّلَت: 34-36].
- تجاهل جميع الأفكار الوسواسية صغيرها وكبيرها وعدم الالتفات لها نهائيا وإشغال النفس بالذكر والتسبيح والتهليل والاستغفار.
كثرة الوضوء والحفاظ عليه:
فالوضوء طهارة، والله عز وجل يحب المتطهرين ، قال تعالى: { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } (التوبة: 108). وقال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } (البقرة: 222)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)).
- قراءة القرآن:
في القرآن والأدعية المأثورة والأذكار الخاصة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم شفاء لما في الصدور. قال تعالى: {قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور }، وقال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمومنين}، فعلى المسلم أن كثر من قراءة القرآن وخاصة سورة البقرة فإنها يفر منها الشيطان، ويشرع كذلك قراءة آيات من القرآن كآية الكرسي، والمعوذات على ماء يشرب، ويغتسل به.
- أن يسعى المسلم لحفظ الله تعالى بإقامة الدّين على وجهه الصّحيح وذلك بالتزام الطّاعات والبعد عن المنكرات، ولا شكّ بأنّ حفظ الله تعالى للعبد هو خطّ الدّفاع الأوّل والمنيع ضد ما قد يتعرّض له الإنسان، ذلك بأنّ الله سبحانه وتعالى بيده مقاليد كلّ شي، وناصية الخلق وأمورهم بيده فلا يستطيع أحد أن يضرّ إنسانًا بدون أن يقدّر الله سبحانه ذلك عليه، قال تعالى (وما هم بضارّين به من أحد إلا بإذن الله)، وفي الحديث الشّريف "احفظ الله يحفظك، وأعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن يضرّوك بشيءٍ لم يضرّوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك"، كما أنّ الله عز وجل قد بيّن في كتابه العزيز ضعف كيد الشّيطان وعدم قدرته على التّسلط على النّفس المؤمنة، قال تعالى (إنّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون، إنّما سلطانه على الذين يتولّونه والذين هم به مشركون ).
- التمسك بجماعة المسسلمين والتزام الصحبة الصالحة:
أيها الأحباب على المسلم أن يتمسك بجماعة المسلمين، وأن لا يترك نفسه وحيدة فتضصير فريسة سهلة للشيطان، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [آل عمران: 103]، وقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير﴾ [الحج: 78]، وقال – صل الله عليه وسلم: ((ما من ثلاثة نفر في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)).
وأما عن الصحبة الصالحة، قال تعالى: { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ } [الزخرف:67]
وقال تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِياتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْفُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي}[الفرقان:27- 29].
فلقد حذر الإسلام من سوء اختيار الصحبة وبالذات أصحــاب السوء الذين يفعلون المعاصي والفواحش ومجالستهم من الداء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْتَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةًوَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًاخَبِيثَةً".
أيها الأحباب الكرام كل هذه الأمور تحصن الإنسان من وساوس الشيطان، ومن الكآبة، ومن التوتر، ومن ضضيق الصدر، لأن الله تعالى لم يخلق داء إلا وجعل له دواء، قال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}، وقال تعال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، فعليك أخي الحبي باتباع هدي نبيك صلى الله عليه وسلم، فتسعد في الدارين، وتنال رضا الله تعالى ورحمته ومغفرته وعافيته.