والتعامل مع هذا الغلاء؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها علماء الدين والاقتصاد والاجتماع في السطور التالية.
أولوياتكيف تتعايش مع ارتفاع الاسعار في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وهل تقدم لك الشريعة الاسلامية الحلول لترشيد استهلاكك والتعامل مع هذا الغلاء؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها علماء الدين والاقتصاد والاجتماع في السطور التالية.
يقول الشيخ فكري اسماعيل من علماء الازهر الشريف : إن كل منا عليه مهمة وطنية يجب الوفاء بها وهذا ما يدعونا إليه الاسلام دائما وأبدا أن نوثق صلتنا بالمجتمع ونعمل زاهدين لنشر التعاون والقيم والفضائل وفي ذلك قال سبحانه وتعالي: »والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض»، ومن مبادئ الاسلام في علاج المشاكل الاقتصادية أنه يدعو كل من لديه فضل زاد أو مال فليعد به علي من لا زاد له ولا مال له، وحين نرجع إلي سيدنا يوسف عليه السلام الذي عاش أصعب مشكلة اقتصادية في حياة مصر أنه واجهها أولا بالتخطيط العلمي الجرئ وثانيا اختيار المسئول الذي يفهم رسالته علي أحسن وجه ولذلك قال لحاكم مصر في ذلك الوقت »اجعلني علي خزائن الارض إني حفيظ عليم».
يضيف الشيخ فكري أنه بالاضافة إلي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ينبغي أن يتسابق أهل الغني للوقوف بجانب الدولة وأتمني فرض بعض القوانين التي يعتقد أننا في أشد الحاجة إليها الآن وهي الضرائب التصاعدية علي ذوي الدخل الكبير، وأن يكون شاغلنا هذه الفترة الامور التي تهم غالبية الشعب أما الامور الترفيهية والمبالغ فيها والاسراف فيغير موضعه تنعكس سلبا علي المواطن ويجب أن نقف أمامها ونحجم من يسير في طريقها.
ويضيف الشيخ فكري: يا ليت قومي يفهمون حديث الرسول صلي الله عليه وسلم »ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم » ولذلك مدح الله تعالي أهل المدينة بقوله : »ويؤثرون علي أنفسهم» وهذا ما لا يعكسه بعض الاثرياء في مصر الآن من التحلي بخلق الأثرة فمازال ونحن في أزمتنا الاقتصادية الحالية من يطبع كروت فرح ابنته بماء الذهب من أجل الشهرة والتباهي، ومن يتهرب من دفع الضرائب للدولة ناسيا أنه لن يستطيع الهروب من حساب الله في الآخرة.
التدريب والتدريج
وتؤكد د. خديجة النبراوي أستاذ الاقتصاد الاسلامي أن الحل في ترشيد الاستهلاك وزياة الموارد أو تقليل الاحتياجات وفي حالة عدم وجود موارد لزيادتها فالحل الوحيد تقليل الاحتياجات والرسول صلي الله عليه وسلم كان يرشد الاستهلاك ويقول : ما الفقر أخشي عليكم ولكن أخشي أن تفتح الدنيا عليكم زينتها، والحل أمام الجميع ترشيد الاستهلاك لتحقيق التوازنات المطلوبة في حياتنا ولا يكون ترشيد الاستهلاك في السلع الغذائية فقط ولكن في كل الاحتياجات وعلي كل الفئات الاجتماعية الغني قبل الفقير، والحل الأمثل اسلاميا واجتماعيا واقتصاديا ضغط الاحتياجات ويأتي ذلك بالتدريب بايجاد بدائل لبعض المنتجات وفي هذا السياق يطرح بين أيدينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظرية في مكافحة الغلاء وهي ارخاص السلعة بإبدالها بسلعة أخري فعن رزين بن الأعرج مولي لآل العباس قال : غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلي علي بن ابي طالب بالكوفة فكتب أن أرخصوه بالتمر أي استبدلوه بشراءالتمر الذي كان متوافرا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب علي الزبيب فيرخص وإن لم يرخص فالتمر خير بديل، وأيضا الاستغناء عن بعض السلع فقد جاء في الأثر أن الناس زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتكوا إليه غلاء اللحم فطلب منه تسعيره لهم فقال أرخصوه أنتم فقالوا نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة فتقول أرخصوه أنتم فقالوا وهل نملكه حتي نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا فقال قولته الرائعة اتركوه لهم، وأيضا نعيد معاني الرضا والقناعة التي غابت عن حياة الكثيرين.
حلول اضطرارية
وعن كيفية تعايش الاسرة المصرية مع غلاء الاسعار فيظل موارد محدودة تقول سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك نحتاج أن نكون علي قلب رجل واحد ففي أيام حرب ٦٧ و ٧٣ كنا نتنازل عن أشياء كثيرة برضانا ولكن حاليا التنازل عن بعض الاشياء سيكون إجباريا واضطراريا لكي نعيش بكرامة ولا يغيب عنا أننا دولة مستهلكة ومستوردة ولسنا دولة منتجة وهذا واقع نعيشه ويجب التغيير حتي لا نصاب بالانهيار ويستلزم ذلك من الدولة أن تراعي المواطن بتوفير السلع الضرورية والواجب علي المواطن تغيير سلوكه وثقافة استهلاكه فيشتري الضروريات ليحدث التوازن بين الامكانيات المادية والاحتياجات، والمرأة المصرية يلقي عليها غالبا مسئولية إدارة الامور الاقتصادية علي مستوي أسرتها في كل الظروف ولذا عليها أن تشتري ما تحتاجه حتي لو تصادف وجود عروض تخفيض علي السلع فتخزين كميات كبيرة منها يضر ولا ينفع لانها غالبا ما تكون محدودة الصلاحية كم يجب علي الاباء والامهات تغيير نمط استهلاك الابناء وتوعيتهم بما تمر به مصر بأسلوب مبسط وينعكس ذلك علي الاسرة مما يضطرها لتقليل النفقات بدءا من مصروف الابناء وحتي معظم الحاجيات من ملابس ومأكولات مع توضيح أن ذلك لظروف مؤقتة واضطرارية ولفترة محدودة حتي تستعيد مصر مكانتها الاقتصادية، وتضيف سعاد الديب أن من أمثلة الحد من الاستهلاك علي مستوي الكبار والصغار تقليل استخدام الموبايل وترشيد الكهرباء وتعويد الابناء علي غلق أي اضاءة لا نحتاجها وترشيد استهلاك المياه.
وتضيف الترشيد لا يكون في السلع الاستهلاكية فقط ولكن في الانجاب فنحن نزيد سنويا حوالي ٢.٤ ملايين مولود جديد مما يضر بالاسرة والمجتمع وغالبا ما تكون الزيادة في الاسرة قليلة الدخل فتزيد الاعباء علي الدولة من أطفال مرضي أو أميين أو مشردين ولكن علي النقيض هناك سيدات تسلك حيلا للتعايش مع ارتفاع أسعار بالتوجه إلي السوق بعد العصر حيث تقل اسعار الخضر والفاكهة حتي لا تفسد وشراء الموجود بكثرة في السوق لقلة سعره وعدم اصطحاب الابناء إلي السوبر ماركت لتشتري ما هو ضروري فقط من الاحتياجات.
برامج للأسرة
وتقول د. لمياء محمود رئيس شبكة صوت العرب.. ان الاعلام في هذه الفترة عليه دورفي محاربة الغلاء وإعادة ضبط الاسعار ويبدأ ذلك بحملات توعية متنوعة من خلال برامج المرأة والاسرة عن كيفية ترشيد الاستهلاك وذلك من خلال اذاعة مواقع أسواق الجملة وأما عن عرض السلع بأسعار رخيصة مثل منافذ وزارة الزراعة والقوات المسلحة وإعداد وجبات صحية مغذية بأقل تكلفة وأيضا من خلال برامج الاطفال لتعويد الطفل السلوكيات الصحيحة عن الشراء بأسلوب بسيط.
ويضيف د. محمود علم الدين أستاذ الاعلام أن هناك سلوكيات استهلاكية خاطئة في المجتمع المصري منها شراء كميات كبيرة من الاطعمة ومن هنا لابد من توعية هذه الفئة بضرورة البدء في التخلص من هذه العادات وأيضا تعليم كيفية استغلال الفائض من الطعام وهذا من خلال حملات إعلامية وإعلانية مستمرة وممنهجة طوال اليوم لتغيير هذه العادات غيرالسليمة.
ويفسر د. محمد عزت أستاذ الطب النفسي بقصر العيني حب الشراءالذي يصل احيانا إلي درجة الهوس بأنه مرض نفسي له اسباب اجتماعية تتعلق بالتنشئة أو نفسي يتعلق بالاكتئاب والفراغ أو سبب سيكولوجي أو اضطراب في كيمياء المخ.. وفي الغالب يلجأ الرجال أو النساء إلي الشراء بكثرة للخروج من حالة نفسية سيئة أو تقليد للآخرين من الاهل أو الجيران أو الزملاء في العمل بالاضافة إلي الاعلام الذي يلعب دورا كبيرا في تسويق المنتجات وللاسف حب الشراء ينتقل إلي افراد الاسرة وخاصة الاطفال لذلك لابد من التركيز علي الصغار لتربية جيل متوازن ويكون ذلك من خلال المدرسة التي تعلمهم أولويات الشراء من خلال حصص الانشطة ومتابعة مشتريات الطفل اثناء اليوم الدراسي عن مقصف المدرسة.. أما الجانب الآخر وهو الانسان الذي اعتاد علي كثرة الشراء ننصح بالابتعاد عن المثيرات والاشياء التي اعتاد الفرد علي شرائها وليس في حاجة إليها وذلك بتقليل الذهاب إلي الاسواق والمعارض .
وللدكتورة سامية الساعاتي استاذ علم الاجتماع رأي حيث تقول : إن الاصرار علي شراء السلع المستوردة رغم ارتفاع اسعارها ثقافة متأصلة عند البعض زرعت من خلال الامهات وانتقلت إلي الابناء من باب الفخر ولكن في ظل هذه الظروف يجب تغيير هذه الثقافة وتشجيع المنتج المصري لان ذلك طريق لتقليل الاستيراد والحفاظ علي العملة الاجنبية لاقامة المشروعات الخدمية الكبري.