العالم المصري عبد الله بن وهب واليقين بالله

العالم الإسلامي
طبوغرافي

عبد الله بن وهب بن مسلم، الإمام أبو محمد، المصري، ولد بمصر سنة خمس وعشرين ومائة في ذي القعدة، قال سحنون: (كان ابن وهب قد قسم دهره أثلاثا: ثلث في الرباط، ثلث يعلم الناس، وثلث يحج.
طلب ابن وهب العلم وله سبع عشرة سنة، ولقي بعض صغار التابعين، وكان من أوعية العلم، ومن كنوز العمل، وكان ابن وهب رحمه الله يكثر من حج بيت الله الحرام فقد (حج ستا وثلاثين حجة، ومن خشيته كان يغشى عليه، من ذلك ما قاله أحمد بن سعيد الهمداني: (دخل ابن وهب الحمام، فسمع قارئا يقرأ قوله تعالى: {وإذ يتحاجون في النار}، فغشي عليه [تاريخ الإسلام: 4/1146].
قال الذهبي: (كيف لا يكون من بحور العلم؟، وقد ضم إلى علمه علم: مالك، والليث، ويحيى بن أيوب، وعمرو بن الحارث، وغيرهم.
ونتعلم من ابن وهب رحمه الله الأدب مع العلماء فقد قال ابن أبي حاتم: (حدثنا أحمد ابن أخي ابن وهب، حدثني عمي، قال: كنت عند مالك، فسئل عن تخليل الأصابع، فلم ير ذلك، فتركت حتى خف المجلس، فقلت: إن عندنا في ذلك سنة: حدثنا الليث، وعمرو بن الحارث، عن أبي عشانة، عن عقبة بن عامر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأت خلل أصابع رجليك))، فرأيته بعد ذلك يسأل عنه، فيأمر بتخليل الأصابع، وقال لي: ما سمعت بهذا الحديث قط إلى الآن) [تذكرة الحفاظ للذهبي 1/223].
ومن أخباره التي نتعلم منها أخلاق العلماء:
قال ابن وهب: (نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا، أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة)) [سير أعلام النبلاء: 9/228].
ابن وهب واليقين بالله:
قال ابن وهب: (كان حيوة بن شريح يأخذ عطاءه في كل سنة ستين ديناراً، قال: وكان إذا أخذه لم يطلع إلى منزله حتى يتصدق به، قال: ثم يجيء إلى منزله فيجدها تحت فراشه، قال: وكان له ابن عم، فلما بلغه ذلك أخذ عطاءه فتصدق به، ثم جاء يطلبه تحت فراشه فلم يجد شيئاً، قال: فشكا إلى حيوة، فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي بيقين، وأنت أعطيت ربك تجربة) [ وفيات الأعيان:3/37].
قال الحارث بن مسكين: (جمع ابن وهب الفقه والرواية والعبادة، ورزق من العلماء محبة وحظوة من مالك وغيره، وقال الحارث: وما أتيته قط إلا وأنا أفيد منه خيرا، وكان يسمى ديوان العلم.
وفاته:
توفي رحمه الله في مصر يوم الأحد لخمس بقين من شعبان سنة سبع وتسعين ومائة، رضي الله عنه. وسبب موته أنه قرئ عليه كتاب (الأهوال) من جامعه، فأخذه شيء كالغشي، فحمل إلى داره فلم يزل كذلك إلى أن قضى نحبه (وفيات الأعيان: 3/36).
قال أبو الطاهر بن عمرو: ((جاءنا نعي ابن وهب، ونحن في مجلس سفيان بن عيينة، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أصيب به المسلمون عامة، وأصبت به خاصة)) [سير أعلام النبلاء: 9/229].
قال ابن عبد البر: روي عن سحنون بن سعيد أنه رأى عبد الرحمن بن القاسم في النوم ، فقال : ما فعل الله بك؟.
فقال: وجدت عنده ما أحب .
قال له: فأي أعمالك وجدت أفضل؟.
قال: تلاوة القرآن .
قال: فكنت أسأله عن ابن وهب، فيقول لي: هو في عليين .
رحم الله ابن وهب فقد كان مثالًا للعالم العابد المتيقن بربه المخلص في عمله.

صور من التراث 1