دعا النبى أصحابه إلى التعفف والقناعة.. واللين والسماحة.. وترك الحسد والتباغض والتنافر
قامت حياة الرسول على أساس من الزهد والقناعة
عاش النبى صلى الله عليه وسلم حياة بسيطة، وكان زاهدًا فى الدنيا، قنوعًا بما أتاه الله، وكان يدعو الناس إلى التعفف عن السؤال، ويحثهم على الأكل من عمل اليد.
وتقول د.آمنة نصير - الأستاذ بجامعة الأزهر-: قامت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس من القناعة والعفاف والزهد، فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس».
وعن حكيم بن حزام أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غني، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله».
التعفف عن السؤال وحث النبى - صلى الله عليه وسلم - على التعفف عن السؤال والتعرض للإعطاء، وحض على الأكل من عمل اليد، فقال: «لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتى الجبل، فيأتى بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه».
كما قال: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده».
وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس فى الدنيا وأقلهم رغبة فيها، حتى كان الزهد خلقًا من أخلاقه الفاضلة وسجية من سجاياه الطيبة الطاهرة، عن ابن العباس سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله دلنى على عمل إذا عملته أحبنى الله وأحبنى الناس، فقال: «ازهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس». وقال صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم».
وقد نصح الرسول صلى الله عليه وسلم بألا يركن الإنسان إلى الدنيا ولا يتخذها وطنًا، ولا يحدث نفسه بطول الإقامة فيها ولا بالاعتناء بها، ولا يتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب فى غير وطنه، فقال: «كن فى الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل». وعن زهده فى بيته تقول عائشة رضى الله عنها: «توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فى بيتى من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير فى رف لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ ففنى».
وقال عمر بن الخطاب: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوى ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه»، وعن عمرو بن الحارث رضى الله عنه قال: «ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته دينارًا، ولا درهمًا، ولا عبدًا، ولا أمة، ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء التى كان يركبها، وسلاحه وأرضًا جعلها لابن السبيل صدقة».
وعن زهده فى الطعام والشراب تقول عائشة رضى الله عنها: «ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض».
وعن عروة عن عائشة رضى الله عنها، أنها كانت تقول: «والله يا ابن أختى إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم إلى الهلال، ثم إلى الهلال، ثم إلى الهلال الثلاثة أهلة فى شهرين، ما أوقد فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء. أما فراشه صلى الله عليه وسلم فقد كان من أدم «أى من الجلد» حشوه ليف.
كان سمحًا لينًا سهلًا
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم العديد من خصال السماحة بكل معانيها وجوانبها من الابتسامة فى وجه الناس، والمزاح وعدم الجفاء معهم، والاختلاط بهم، وكظم الغيظ عند الغضب، وغير ذلك.
قال الشيخ محمود عاشور - وكيل الأزهر الأسبق: كان صلى الله عليه وسلم لا يجفو على أحد، ويقبل معذرة المعتذر، وكان لينًا سهلًا فى معاملاته، وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار تحرم على كل قريب هين لين سهل»، ومن خصال السماحة التى جمعها صلى الله عليه وسلم فى شخصيته أيضًا قبوله المزاح فهو يمزح، ولا يقول إلا حقًا، وعن أبى هريرة قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا. قال: «إنى لا أقول إلا حقًا». (رواه الترمذي)، ومن ذلك مزاحه مع المرأة العجوز حين قال «لا يدخل الجنة عجوز». فعن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ادع لى أن يدخلنى الله الجنة. قال: «يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز»، فولت تبكي. فقال: «اخبروها إنها تدخلها وهى شابة»، فإن الله تعالى يقول: «إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارًا».
ومن تسامحه صلى الله عليه وسلم الابتسام الدائم لكل من يراه ويقابله، فقال: «تبسمك فى وجه أخيك صدقة»، ومن ذلك أيضًا قبوله اللعب المباح إذ يراه فلا ينكره وكان يسابق أهله. وقد سبقته عائشة رضى الله عنها.
وأضاف الشيخ عاشور: ومن سماحته مخالطته للناس ومشاركته لهم فى أفراحهم، وأحزانهم، ومشاكلهم، ومؤاكلته لهم، وقال: ومن مظاهر سماحته صلى الله عليه وسلم السهولة واليسر فى البيع والشراء، فقد حث على السماحة فى كل شيء وبخاصة فى المعاملات من بيع وشراء، وفى طلب الحق. وعن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى».
لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا
تمتع النبى - صلى الله عليه وسلم - بعدة خصال حميدة، فلم يكن أبدًا شتامًا، ولا لعانًا، ولا طعانًا، وقد نهى عن سباب المسلم وغشه والغدر به، وحرص على دعوة أصحابه إلى البعد عن الغيبة والنميمة.
يقول د.منصور مندور - من علماء الأزهر-: نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن السب والشتم واللعن، ونهى أيضًا عن التباغض والحسد والشماتة، والتجسس وسوء الظن، والفحش والبذاءة.
عن ابن مسعود - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان ولا الفاحش، ولا البذيء».
وعن أنس - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «ما كان الفحش فى شيء إلا شانه، وما كان الحياء فى شيء إلا زانه».
لا تباغضوا ونهى الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن التباغض والتحاسد، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، وعن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم.
المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ههنا، التقوى ههنا وأشار إلى قلبه».
وعن وائلة بن الأسقع- رضى الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك».
ويضيف د.منصور: ومن خصاله الحميدة- صلى الله عليه وسلم- عدم الغش والخداع والغدر والمن، وقد نهى عن ذلك فى أكثر من حديث نبوي، فعن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا».
وعن أبى ذر رضى الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم».
قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: «المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب».
كما نهى الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن الغيبة والنميمة وحرمهما، وطالب المسلم بحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا ما ظهرت فيه مصلحة ولم يؤد إلى مكروه أو حرام.
عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، وعن أبى موسى- رضى الله عنه- قال: قلت يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أى المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».
وقد عرف الرسول- صلى الله عليه وسلم- الغيبة بأنها ذكر الأخ بما يكره.
فعن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: «الله ورسوله أعلم.
قال: ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهته»، أى افتريت عليه الكذب.
حياة الرسول قامت على أساس من الزهد والقناعة والتعفف واللين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة