تأملات فى خاتم النبوات

العالم الإسلامي
طبوغرافي

ممدوح السباعي

ممدوح السباعى- جريدة الفتح اليوم

جاء من الله وبعث فينا ليحيينا وأرسل للعالمين رحمة وهو من أقر له كل خلق الله فالسموات أقرت له وتزينت عند معراجه، والأرض أقرت له بكل أجزائها وبكليتها، وكذالك ما بين السماء والارض الرياح والسحاب، ومجمل الأمر أن كل ما خلق الرحمن أقر لخير الأنام وخير الرسل بل أُمر بحبه واتباعه . قال تعالي: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين} تأمل أخي تأكيد الحميد المجيد وبدأ الاية بــ قد وهوا تأكيد شديد الوضوح ثم انظر: جائت كلمة «جائكم» والمجيئ ليكون لموجود وأين وجوده من الله، ثم انظر ذات الموجود «نورا» والله عز وجل وصف نفسه فقال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} جاء يحقق اجابة الجليل لدعوة الخليل {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}.

وجاء عطاء الحق في بعثته معلنا {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} تأمل: ابعث فيهم، بعث في، فبعثته فينا ورسالته للعالمين رحمة، بعثته فينا لتحيينا، فحياة الأحياء ببعثته فينا يوضح ذالك قول الحق تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} فحياة الأحياء ببعثته ورحمة العالمين برسالته: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)

وكل الأكوان بل كل ما خلق الرحمن للنبي يشهد ويقرّ والذي أمره وخيره الحق هم أهل التكليف، أما عن شهادة الأكوان، فالقمر له انشق، والشمس له ثبتت حتي انتهي من غزوه، والجبل تحرك تحت قدمه في موضع قال فيه اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، وفي موضع آخر قال: ضعوا عم الحمزة به، حين صار أحد مع جسد حمزة فثبته النبي بقوله ضعوا عم الحمزة به إن أحد جبل معنا في الجنة.

بل إن فضل الله علي رسوله قد سما كما أعلنه الله فى القرآن باطلاق التعظيم {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} إذ إن الجنة التي هي دار النعيم ورياض التكريم يعلنه الرسول بأمر مولاه حيث ممشاه ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) والأشياء فوق الأرض تقرّ بفضله فالإبل سجدت عند قدمه بعدما كانت قد عُقرت وجائت مسرعة إليه وخاف الصحابة عليه وهو يقول: «لا تخافو علي منهم إني رسول الله» وجائت الإبل مسرعة وسجدت عند قدمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابة: أتعرفك الإبل وتسجد لك؟ فقال نحن أولى بالسجود لك منها، فقال: لو كان سجودا لغير الله لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها.

وكذلك مرّ صلى الله عليه وسلم فإذا بإبل يصيح أمامه فوقف وسأل عن صاحبه وطلب شرائه فقال بل أهديك إياه يا رسول الله، فقال للرجل هوا لك علي أنه يشكو كثرة العمل وقلة العلف.

وكذلك بلغت العناية والطاعة والإعجاز أن ذراع الشاة المسمومة نطقت في فمه وقالت إنى مسمومة، كما أن الضب الصغير جاء به يهودي بين يديه وقال للنبي الكريم لو شهد لك الضب لشهدت لك، فخاطب رسول الله الضب فأجاب لله موحدا ولرسوله معلنا وشاهدا.

وكذلك من الأشجار جاء رجل فقال اأمر النخلة أن تأتيك فأؤمن بك، فقال للرجل اذهب للنخلة وقل لها رسول الله يأمرك أن تأتى إلى، فراحت يمينا وراحت يسارا وراحت واهتزت خلفها وأمامها وفي كل مرة من كل جهه تنزع من الارض جزورها وصارت إليه تمشي علي ساق بلا قدم، ثم قال الرجل: مرها أن تعود فأمرها رسول الله فعادت لموطنها وغُرست بآيات قدرة الحق بعدما خرجت، فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .

تعال معي لأقدس موطن في أشرف وأطهر بقعة حيث الجنة المعلنة وحيث المأوى لخير الأنام وعد بنا إلى أصل المكان من الذي اختار؟ إنه المسير للفلك، والمحرك للكائنات حين قال سيد خلق الله لمن أراد أن يأخذ بزمام الناقة، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها مأمورة، ذلك أمر، ليس ببعيد إن تدبرت أمر الحميد المجيد الذى نزع جزء من بيته الحرام تحت مسمى مقام إبراهيم وكل ما فيه أثر قدمي الخليل فى الحجر، بل أمر الله عزّ وجل بعد الطواف ببيته وكعبته التنفل بالصلاة في مقام الخليل تخليدا وهو خالد، فهو أبو الأنبياء تذكيرا هو مذكور في القرآن الكريم إعلانا لفضل الله الذي أجراه له ووهبه إياه، اذ الصلاة في مقام إبراهيم ومقام إبراهيم جزء وموضع من مواضع الطواف بالبيت العتيق.
ويسمو الأمر إلى غايته فنرى أن عهد الله هو عهد النبي {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} بل طاعة الله جعلها الله لرسوله فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وبلغ الأمر مداه فى إعلان قول الله: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ اٍللَّهَ رَمَىٰ}وهل الفرح إلا بما شرع؟ وهل الفضل والرحمة إلا بما هو احتوى؟

فهو عيد الأعياد في مولده وكمال الفضل في حضرته نال منه الزمان خيريته خير العصور عصره ونال به المكان قسم ربه {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} أقرّ له الله بذلك علي سائر النبيين.