من طلب أخًا بلا عيب صار بلا أخ

العالم الإسلامي
طبوغرافي

معنا اليوم الحكمة الثلاثون، وهى لأحد الصالحين الكبار، وهو الفضيل بن عياض، وهى حكمة جاءت دواءً شافيًا لكل إنسان يطلب الكمال فى البشر.
من طلب زوجة بلا عيوب لن يتزوج. ومن طلبت رجلاً بلا عيوب لن تتزوج. ومن طلب صديقًا أو أخًا فى الله بلا عيوب لن يصادق أحدًا، ولن يصادقه أحد. يقول الملك جل جلاله: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا[الإسراء: 84] البشر ليسوا سواء. وليسوا شيئًا واحدا. وسيدنا موسى عليه السلام ترك قومه، وصعد الجبل.. فقال له ربه: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}[ظه:83-84] فسيدنا موسى عليه السلام حاله عظيم، ومن معه لهم عيوبهم، والعيوب عندهم ليست لدى سيدنا موسى ، فظل يجرى حتى صعد الجبل وحده!

إن الحياة مدرسة عظيمة، ومن سماتها أن الله الملك وزع على الناس قدراتهم وفهمهم وزكائهم؛ ولذا قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: [ أُمرْنا أن نكِّلمَ النَّاسَ على قدرِ عقولِهم]
ومعنا حكمة أخرى أيضا وهي “المرء يعجب من صغيرة غيره”. أى تعتقد أنك كامل بخلاف كل من حولك!. وهذا خطأ لأن الناس سينظرون إليك كما تنظر إليهم. فلماذا لا ترى الأذى فى عينيك، وترى الأذى فى وجوه الآخرين فقط .

إن الإنسان يجب أن يلتمس فى الناس أنهم ليسوا على شاكلةٍ واحدة، فهناك سريع الفهم، وهناك بطيئه. وهناك سريع البديهة، وهناك من لا يمتلكها.

لابد أن تفهم الناس على حالهم. كلُ شىءٍ ذات عيوب حتى الجبل العالى يعتبر علوه عيبا عند ضعيف مثلي، وعلو الجبل يعتبر قيمة عند أصحاب الهمم، لأنهم ينظرون إليه يجدون فيه القوة، والعلو حكمتنا تقول (من طلب أخًا بلا عيب أصبح بلا أخ)

الذى لا يعاشر أحدًا سيعيش وحده، ورغم أن (العتاب من طبع الأحباب)، ولكن كثرة العتاب تؤدى إلى ذوبان المشاعر. فهل من المعقول فى كل يومٍ أعاتب زوجتي، أو أولادي، أو الناس!. لن يدوم الحال بهذه الطريقة. ولذا قال الملك لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص: 56]

ولقد كان النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام من أكثر الناس فهمًا لطبيعة البشر، وكان يعظ الناس على قدر فهمهم .وكان يُكَلِمُ الناس على قدر قوتهم، أو عجزهم، وكان يضع كل رجلٍ فى المكان الذى يناسب قدراته. الأحباب الكرام لا بد أن يخاطب كلاً منا نفسه ويقول: لا تعجب من صغيرة غيرك، ولا تعجب بصلاح نفسك، فإن العجب يؤدى بك إلى فساد العمل.

المنافقون أصابوا المجتمع الإسلامى بالخور، والعجز أشد ما فعله الكفار، فقد كانوا يُصَلوُن خلف النبى صلى الله عليه وسلم فى الصف الأول، ويخرج من الصلاة يسب، ويذم. وبعد هذا لم يحتملوا الصلاة مع النبى صلى الله عليه وسلم فذهبوا وأقاموا مسجد الضرار. {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) }[التوبة : 107-108]

هؤلاء المنافقون كلهم عيوب، ولكنهم موجودون بيننا، موجودون فينا لا نستطيع أن نخلعهم، ولا أن نطلقهم من حياتنا. وعلى شاكلتهم من هو موجود معك فى العمل وبجوارك ، وربما تكون زوجتك، أو يكون زوجك، على هذه الأخلاق من النفاق ولهذا يجب أن نتعامل معهم كما هم.وتذكر أنك أنك لن تستطيع أن تغير عيوب الناس لكن تستطيع موعظتهم.

لن يكون الناس على شاكلة سيدنا موسى عليه السلام، وإلا ما تركهم سيدنا موسى، لن يكون الناس على شاكلة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث آذاه قومه، وأجبروه أن يغادر مكة، التى هى بلده، وذكرياته، وذكريات أجداده، وهو عمودها فى مكة صلوات ربى وسلامه عليه .

لماذا ؟. لأن هؤلاء بهم عيوب لا يمكن الصبر عليها وأصبحت قلوبهم كالحجارة، أو أشد قسوة .

ولتعلم أن العيوب التى لدى البشر على نوعين:
النوع الأول: عيوبٌ يمكن إصلاحها بالموعظة، بالبيان، بالتبيين، بالتقريب، بالرفقة الصالحة، بتعديل السلوك، بالتوجيه الرقيق.

والنوع الثانى: عيوبٌ لا يمكن للإنسان أن يتخلص منها إلا إذا كان عنده رغبة فى التوبة. وعنده رغبة صادقة أن يُصْلِحَ من نفسه.