بقلم الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد فرضه الله تعالى بقوله: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 97). وقد وثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا».
فريضة الحج ثابتة بالكتاب والسنة وبإجماع المسلمين قاطبة إجماعًا قطعيًّا، فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر ، ومن أقر بها وتركها تهاونًا فهو على خطر، إذ كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه؟! كيف يبخل بالمال على نفسه ودينه فى أداء هذه الفريضة، وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه، وكيف يبخل بنفسه عن التعب فى الحج، وهو يرهق نفسه بالتعب فى أمور دنياه الفانية؟! وكيف يتثاقل عن فريضة الحج، وهو لا يجب فى العمر سوى مرة واحدة، وكيف يتراخى ويؤخر أداءه، وهو لا يدرى لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه؟
فى الحج يجتمع المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها فى مكان واحد، فيتشاورون فيما فيه مصلحتهم، وفيما يعود عليهم بالنفع العام، ويحقق لهم التقدم والرقى الذى ينشدونه .
وفيه يشاهد المسلم الأماكن المقدسة التى شهدت انتصار الإسلام فى أيامه الأولى، ويرى موطن النبى الكريم ، ويعيش فترة من الوقت فى الأماكن نفسها التى عاش فيها الصحابة والتابعون ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فيستيقظ شعوره الإسلامى؛ ليدفعه هذا الشعور للسير فى الطريق نفسه الذى سلكه هؤلاء الكرام لرفع كلمة الله خفَّاقة على ربوع العالمين.
وفيه تتضح المساواة الإسلامية فى أبهى صورها وأجلى معانيها؛ حيث يقف المسلمون جميعًا على صعيد واحد، وفى وقت واحد، كلهم قد أظهر ضراعة وخشوعًا لله تعالى، لا فرق بين جنس وجنس ، أو بين غنى وفقير، ولا امتياز لفرد على فرد.
ثم هو بعد هذا كله تدريب للنفس البشرية على العبادة الحقَّة، والطاعة الصادقة؛ لأن الحاج يترك ماله، وبيته، وأهله، وعشيرته، ويذهب إلى مكة لأداء مناسك قد لا يدرك عقله سر حكمتها، ولكنه يفعلها تقربًا إلى الله تعالى ، وامتثالاً لأمره عز وجل؛ ولذلك يرجع من حجه طاهرًا من الذنوب كما ولدته أمه.
وهو عامل فعَّال لتوحيد كلمة المسلمين، فى مشارق الأرض ومغاربها، ومظهر رائع كريم من مظاهر وحدة العقيدة الإسلامية الغرَّاء، التى تجمعهم على الحب فى الله تعالى، وتهيئ لهم فرص التعارف والتآخى ، التى يحس فيها المؤمن بالصلة الوثيقة التى تربط بين المسلمين فى كل مكان .
وفى الحج رياضة للوجدان على طاعة الرحمن إلى خير البلدان، يؤديه الفقير والأمير، بإيمان وخشوع ، وهيبة وخضوع، ومن خرج من بيته حاجا يريد بحجه وجه الله ـ تبارك وتعالى ـ غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وشفع فيمن دعا له.
قال رسول الله: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».( والرفث: كل لغو، وفجور، ومجون بغير حق، والفسق: الخروج عن طاعة الله تعالى ) .
وإذا خرج الحاج من بيته كان فى حرز الله تعالى، وإن مات قبل أن يقضى نسكه غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن خرج معتمرًا فمات كتب له أجر المعتمر ، ومن خرج غازيًا فمات كتب له أجر الغازى إلى يوم القيامة.
والحج أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى ورسوله، والجهاد فى سبيله، ولله در أقوام دعاهم مولاهم إلى جنابه، فساروا إلى بابه شعثا غبرًا، وعرفهم بعرفات أنه قد تجاوز عن الذنوب والزلات فسجدوا لله حمداً وشكرًا.
وقد قيل للحسن: ما الحج المبرور؟ قال: " أن ترجع زاهداً فى الدنيا راغباً فى الآخرة".
ولهذه الشعيرة العظيمة منزلة في الإسلام، وهذه المنزلة تتضح فيما يلى: أ-إقامة التوحيد وتحقيقه؛ حيث إن شعيرة الحج قائمة على التوحيد لله وحده، قال الله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (الحج:26).
ويتحقق التوحيد لله تعالى باستهلال الحاج حجه بالتلبية بقوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ويتحقق التوحيد لله ـ أيضًا ـ بالدعاء يوم عرفة، وخير الدعاء التهليل؛ لقول النبى: "أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير".
ويتحقق التوحيد لله تعالى كذلك بصلاة ركعتين فى مقام إبراهيم عليه السلام
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً (البقرة: 125).
ويقرأ فيهما بسورتى: الكافرون، والإخلاص.
ب-أن شعيرة الحج تحقق الولاء بين المؤمنين: فعلى الرغم من تفرق المسلمين شيعًا وأحزابًا، إلا أن فريضة الحج خير علاج لهذا التفرق وهذا التشرذم، فالرابط الذى يجمع المسلمين جميعًا على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأجناسهم وأراضيهم هو العقيدة الواحدة، والدين الواحد.
والحج يجمع الشمل، وينمى الولاء والحب والنصرة بين المؤمنين ، قال الله تعالى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات:10)
فالمسلمون فى الحج يجمعهم لباس واحد، ومكان واحد، وزمان واحد، وقبلة واحدة، وينادون ربا واحدا، ويؤدون مناسك واحدة، وهذا أكبر دليل على أهمية وحدة الأمة الإسلامية.
وفى الحج تَحِلُّ الألفة وتظهر المودة، فليستغله المسلمون من هذا الموسم الجامع فى توثيق روابط الأخوة الإسلامية.
الحج منفعة للمسلم والأمة كلها
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة