وحدة الأمة هدف كل من يريد الحق ووجه الله تعالى، ونحن نعيش أيام الحج المباركة ونعيش فرصة سنوية متجددة قد لا تتاح لأي أمة سوانا، فالحج مؤتمر عام يجمع المسلمين في مكان واحد بتوقيت واحد فيربيهم ويغرس في نفوسهم أن المسلمين أمة واحدة مهما تعددت أفكارهم، طالما لم يخرجوا عن الأصل الشرعي ووحدة الأمة تجلب منافع عدة اجتماعية واقتصادية، ورغم أنها منافع دنيوية فإننا نحتاج إليها.
يقول الدكتور زكي عثمان، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن القرآن الكريم أوضح لنا أن الحج كله منافع وفرصة طيبة لعقد المؤتمرات والندوات والحلقات لدراسة مشكلات المسلمين الاقتصادية ولا سيما مشكلة التكامل والتنسيق الاقتصادي بين الدول الإسلامية.
يرى أن عالمية الإسلام ورسالته الخالدة تبرز بوضوح والحجيج واقفون في عرفات الله بكل اللغات واللهجات والبلدان في زي واحد، وصعيد واحد، وشعار واحد، وزمان واحد، وفي الحج الأكبر أكبر وثيقة تكريم للإنسانية، فيها من حفظ الدماء وصيانة الأعراض، وفي الحج الأكبر يرتفع الأمل ويتحقق الرجاء بأن المسلمين هم صنّاع المجد، وأصحاب العلم والفقه والدين الذي يصلح وجه الأرض، ويزين الدنيا من أقصاها إلى أقصاها.
أما الشيخ شوقي عبد اللطيف، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، فيقول: إن الحج يعد معلماً من معالم وحدة الأمة الإسلامية ومظهراً من مظاهر ترابطها وتكاتفها وتآلفها، وذلك من حيث الزمان والمكان والغاية والهدف، ومن حيث المنهج، ومن حيث مصدر التلقي، حيث يؤدي الحج إلى تعارف أبناء الأمة على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم وإمكان تبادل المنافع الاقتصادية بينهم والمذاكرة في شؤون المسلمين العامة وتعاونهم صفاً واحداً أمام أعدائهم وغير ذلك مما يدخل في قوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير).
معالم كبرى
ويضيف الشيخ عبد اللطيف: والحج هو أعظم تجمع بشري فلا بد من إيضاح المعالم الكبرى للدعوة والتي يتم عليها التقاء البشر جميعاً لما لها من أهمية خالصة، فالمسلمون منهجهم واحد يتوحدون عليه ويعملون به، وذلك لأنهم من دون هذا المنهج لا حج لهم مبرور ولا ذنب لهم مغفور، كما أنهم يلتقون حول قيادة واحدة يأخذون عنها مناسكهم ويتلقون منها تعليماتهم وقيادة المسلمين، التي لم يختلف عليها اثنان، هو سيد الخلق وحبيب الرب سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهكذا فإننا ينبغي أن نأخذ من الحج دروساً لا تنسى، نجعلها محل تطبيق في حياتنا ومجتمعاتنا ودولنا وعالمنا الإسلامي كله، ومن أهم تلك الدروس أن نطبق الآية الكريمة التي قال فيها الله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون* واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون* ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
وأضاف: الحج أيضاً فرصة جامعة حيث يحتشد إليه المسلمون من كل بقاع الأرض، ومن ضمنهم الرؤساء والعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي والعلم، فإذا كان الحج فرصة لعامة الناس للتعارف والتواد وتبادل المنافع، فإنه فرصة لقادة المسلمين والعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي للاجتماع وتدارس مشكلات الأمة وما يواجهها من معضلات، وما يفت في عضدها من مشكلات، ومحاولة إيجاد الحلول لتلك المشكلات والمعضلات، والبحث عن الطرق المثلي لإعادة الأمة إلى ما كانت عليه من تصافٍ وتعاضد ووحدة، وإزالة كل أسباب البغضاء والشحناء والحج الذي يتوافد إليه ملايين المسلمين من كل بقاع العالم فرصة حقيقية ليتدارسوا أمور دينهم وهموم أمتهم، وقضايا الأقليات الإسلامية في الدول الأخري وهكذا فإن الحج رمز لوحدة هذه الأمة، وتأكيد أن هذه الأمة لا يفرق بين أفرادها لون أو مذهب أو طائفة أو عرق فكلهم يتجهون لقبلة واحدة، وكلهم يطوفون حول كعبة واحدة في اتجاه واحد، وكلهم يسعون في مسار مسعى واحد، وكلهم يقفون بعرفة، وكلهم يبيتون في مزدلفة، وكلهم يرمون الجمار تجاه مرمي واحد، وكلهم يلبسون لباساً واحداً في رمزية عميقة لتلك الوحدة.
ويقول الشيخ عبدالعزيز النجار من علماء الأزهر الشريف للحج مقاصد تعود على الفرد بالمنافع الكثيرة منها أنه طاقة روحية ووجدانية معاً ويؤصل معاني المساواة بين الناس ويغرس أسس التكافل الاجتماعي وطاقة أمل للمقصرين في العبادات ووردت أحاديث نبوية كثيرة تتحدث عن فضل الحج منها ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه” وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوا وسألوه فأعطاهم”، ولذلك كانت مناسك الحج براهين عملية على السلام بمفهومه الشامل في الإسلام وهو تدريب عملي عليه لأن الحج يحث على عدم الخصام والجدال والشحناء وعدم الاعتداء على الصيد البري والثروة الزراعية في الحرم وعدم الاعتداء على الناس، كما قال تعالى: (ومن دخله كان آمنا).
والحج عبادة من أعظم العبادات التي تهدف إلى السمو الأخلاقي من خلال العلاقة بين الإنسان وأخيه المسلم فهي واحدة من العبادات التي تجمع بين المال والبدن، حيث إنه يشترط فيها الاستطاعة مالياً وبدنياً وبما أن العبادات لها غاية وهدف..
الحج كله منافع ورمى الشيطان بالجمرات
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة