القرآن يوبخ من يعطلون العقل عن أداء وظيفته..ويخرجهم من دائرة الإنسانية
ماأكثر الآيات القرآنية التي تحث المسلم على إعمال عقله في كل ما يحيط به أكثر من أن تحصى،
فالتفكير في نظر الإسلام ليس مجرد حق، بل هو فريضة دينية لا يجوز لإنسان أن يتخلى عنها بأي حال من الأحوال، وإلا تخلى عن إنسانيته وتجرد من أهم ما اختصه الله به.. فالعقل الإنساني من أجّل نعم الله على الإنسان، والوظيفة المنوطة بهذا العقل هي التفكير، والإنسان مطالب شرعاً أن يفكر تفكيراً صحيحاً يستطيع من خلاله أن يميز بين الأمور ويحكم على الأشياء والأشخاص، ويبتكر ويبدع في جميع المجالات وعلينا أن نتدبر التعبيرات القرآنية التي يخاطب الخالق بها عبادة من أمثلة: قوله تعالى: «لعلكم تتفكرون»، وقوله سبحانه: «أفلا تتفكرون»، وأكثر التعبيرات التي وردت في هذا الصدد قوله تعالى: «إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون».
نعمة كبيرة
ويؤكد د. محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق أن الإسلام جعل التفكير والتعبير فريضة لكل من له عقل قادر على التفكير السليم، وأكبر دليل على ذلك أن القرآن الكريم انتقد بعبارات واضحة وذات دلالة هؤلاء الذين يعطلون عقولهم عن أداء وظيفتها، وجعلهم في مرتبة أحط من مرتبة الحيوانات، ولذلك جاءت عشرات الآيات في كتاب الله تحض على العلم، وتعلي من شأن العقل، وتجعل من عمارة الأرض تكليفاً إلهياً للإنسان، ومن التفكير واجباً دينياً.. فالبحث العلمي مطلوب، وحرية التعبير مصونة، طالما كان ذلك من أجل خير الإنسان، والموقف الإسلامي في قضية حرية البحث وحرية التفكير والتعبير ثابت لا يتغير.
ويضيف : لو دققنا النظر في الأساليب القرآنية الواردة في هذا الشأن لوجدنا أن القرآن الكريم يحفز الناس على التفكير ويأمرهم به في سياقات متنوعة، وعادة يأتي ذلك عقب ذكر العديد من آيات الله الكونية أو الإنسانية، أو الحديث عما يتضمنه القرآن الكريم من حكم بالغة، أو بعد الإشارة إلى بعض الأمثال أو القصص، أو حتى بعد التنبيه إلى ما بين الزوجين من المودة والرحمة، أو غير ذلك من أمور تتطلب من الإنسان أن يشحذ ذهنه وعقله لفهمها وإدراك ما تنطوي عليه من سنن وأسرار إلهية.
أضل من الأنعام
ويضيف: إن القرآن الكريم يوبخ هؤلاء، الذين يعطلون عقولهم عن التفكير ويصمون آذانهم ولا يبصرون، أو لا يريدون أن يبصروا ما حولهم بتعبيرات بليغة مؤثرة من نوعية: «لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام»، ولو كانت الآية قد وقفت عند هذا الحد لكان في ذلك ظلم للأنعام،
لأن الأنعام لا تعقل. ومن هنا كانت تكملة الآية: «بل هم أضل»، فمن يجمد أو يلغي ما أنعم الله عليه من نعم تميزه على غيره من المخلوقات وأهمها نعمة العقل والتمييز به هو في حقيقة الأمر في مرتبة أقل من الحيوانات، لأن الإنسان الذي يعطل عقله عن التفكير هو إنسان قد تنازل عن إنسانيته، ومن هنا لا يستحق أن يطلق عليه وصف الإنسان لأنه ارتضى لنفسه أن يكون في مرتبة أقل من مرتبة الحيوان.
ومن هنا كانت دعوة القرآن الكريم للإنسان لاستخدام عقله والاستفادة من ملكاته الفكرية دعوة صريحة لا تقبل التأويل، فالتفكير في الإسلام ليس حقاً يستخدمه الإنسان أو لا يستخدمه وفقاً لإرادته واختياره، بل هو واجب ديني وفريضة إسلامية،
وإذا كانت ممارسة الوظائف العقلية تعد واجباً دينياً في الإسلام فإنها من ناحية أخرى تعد مسؤولية حتمية لا يستطيع الإنسان الفكاك منها وسيحاسب على مدى حسن أو إساءة استخدامه لها مثلما يسأل عن استخدامه لباقي وسائل الإدراك الحسية. وفي ذلك يقول القرآن الكريم: «إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً».
التحرر من التبعية
يقول د. زقزوق: كما رفض الإسلام التقليد الأعمى رفض أيضاً كل أساليب الدجل والشعوذة والاعتقاد في الخرافات والأوهام، وقرر المسؤولية الفردية التي تقوم على حرية الفرد واطمئنانه إلى حقوقه في الأمن على نفسه وعقله وماله،
وجعل الإسلام الأمن على العقل من بين المقاصد الضرورية الأساسية التي قصدت إليها الشريعة الإسلامية لقيام مصالح الدين والدنيا، وكذلك حرر الإسلام الفرد المؤمن بعقيدة التوحيد من عقدة الخوف من الجهر بالحق فالمؤمن لا يخشى في الحق لومة لائم.
وهكذا كفل الإسلام للإنسان المناخ الحقيقي الذي يستطيع فيه أن يفكر ويتأمل ويعي ويفهم وبهذا أطلق الإسلام سلطان العقل من كل ما كان يقيده، وخلصه من كل تقليد كان يستعبده.