تشخيص الأنبياء في السينما

حول العالم
طبوغرافي

2013-635241213400566789-56

 

يسري الجندي : الأمر يتوقف علي طبيعة المعالجة والهدف من ظهور الأنبياء فنياً

 

أثار عرض فيلم سينمائي عن النبي "نوح" جدلاً في مصر بين مؤيد ومعارض حول السماح بدخول الأنبياء عالم السينما ، وبمجرد أن ظهرت علي اليوتيوب المقدمة الدعائية للفيلم الذي أخرجه دارين أرنوفسكي بطولة راسل كرو، وأنتوني هوبكنز، وإيما واتسون، حتي خرجت للنور الهجوم والانتقادات، والتحذيرات التي وصلت الي حد التهديد بالعنف ودعوة إلي حرق دور السينما التي تعرض الفيلم

 

وظهور الأنبياء علي الشاشة لم يعد مجرد خيال يداعب عقول المبدعين. ولكنها حقيقة أكدها عدد من صناع الدراما.

فبين الأردن و إيطاليا بدأ تصوير فيلم "قوم لوط" من إنتاج شركة كندية وحددت الشركة المنتجة مدة تقرب من خمسة أشهر ليتم الانتهاء من تصوير الفيلم الذي يخرجه اللبناني إيلي معوض. وهناك جهوداً جبارة للانتهاء منه رغم العقبات التي تواجه سير العمل. من أبرزها ندرة الأماكن التاريخية التي كانت قائمة في زمن النبي لوط. والفيلم مكتوب باللغة الإنجليزية.

في الوقت نفسه انتهي الكاتب سمير الجمل من كتابة حلقات مسلسل "محمد" صلي الله عليه وسلم. الذي يعد أول عمل درامي يتناول سيرة نبي  الإسلام من منظور معاصر. وتبني اتحاد المنتجين العرب  المشروع حيث  وتقرر فتح باب الاكتتاب المصري والعربي والدولي لتمويل انتاج المسلسل.

وأشار الجمل إلي ان المسلسل تضم احداثه شخصيات من إيران وتركيا والدول العربية وأوروبا. كما سيتم تصوير أحداثه في عواصم أوروبية وعربية عدة. موضحاً أن 90% من الشخصيات لها جذور حقيقية علي أرض الواقع مثل شخصية "علمان رشدي" وهو يشير لشخصية سلمان رشدي صاحب كتاب "آيات شيطانية" وشخصية بطلة العمل كارين أرمسترونج التي تظهر في الحلقات باسم "ماريا" وشخصية نسيم حميد بطل الملاكمة الانجليزي الجنسية واليمني الاصل وسيظهر باسم "نديم" وهو نموذج للمسلم الناجح في أوروبا. وكذلك المغني الانجليزي يوسف اسلام الذي كان يحمل اسم "كات ستيفنز" قبل أن يتحول للإسلام.

 

ولايزال التحضير جارياً لفيلم "رسول السلام" الذي أعلن عنه منتجون عرب وأمريكيون في أواخر عام 2008 ويكتب السيناريو له الامريكي رمزي توماس الذي شارك في كتابة فيلم "الرسالة" تحت اشراف المخرج الراحل مصطفي العقاد معتبراً ان الفيلم يعد بمثابة عمل إنساني يريد ان يخاطب من خلاله العالم بسماحة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم. والفيلم يتحدث عن أثر الرسول فيمن حوله وكيف أوصل قيم الإسلام السمحة للناس.

 

علي جانب آخر تواصل فضائيات عدة عرض مسلسل النبي يوسف حيث يجسد دوره الفنان مصطفي زماني بعد أن اختاره المخرج فرج الله سلحشور الذي ظل عاما كاملا يختبر الممثلين ليستفيد منهم في دور النبي يوسف والمسلسل مدبلج باللغة العربية واستغرقت كتابة قصته نحو أربع سنوات بتكلفة قدرت ب12 مليون دولار.

ويتناول قصة النبي يوسف منذ ولادته والقحط الذي لحق بمصر آنذاك إلي اللقاء مع والده النبي يعقوب وبلغ عدد أفراد كتاب سيناريو الحلقات 20 شخصا استعانوا بكتب التفسير والتاريخ والحديث والاقتباس من بعض كتب المذهب السني إلي ان أتموا 1800 صفحة بالسيناريو.

 

وعرضت الشاشات العربية مسلسل "مريم المقدسة" وهو انتاج إيراني مدبلج من اخراج شهريار بحراني وسيناريو وحوار سعيد بهمن بور وترجمة نزار ندوي ويتناول حياة السيدة العذراء منذ ولادتها وحتي ولادة النبي عيسي. مع تسليط الضوء علي اضطهاد اليهود لها واتهاماتهم لها. والعمل زاخر بالشخصيات الدينية والتاريخية ويصور عذاب السيدة العذراء في ايقاع بطيء والوان دافئة. والمسلسل يستند إلي ما ورد في الآيات القرآنية. وتم فيه تغطية وجوه الأنبياء..

 071710130719wpah95bkovvxa

في السياق نفسه طالب عدد من النقاد بإعادة النظر في المحاذير الرقابية التي تضعها المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية حول الأعمال التي تتناول شخصيات إسلامية. مؤكدين أن مثل هذه الأعمال خير وسيلة لتصحيح صورة الإسلام لدي الغرب.

ورحبوا بتقديم أكثر من عمل ديني في نفس التوقيت لأن الموضوع سيصب بالنهاية في مصلحة المشاهد.

الكاتب الكبير يسري الجندي يوضح أنه من المنطقي ألا يكون هدف هذه الأعمال الإساءة فكلها لنماذج محل احترام وتقدير في العقائد السماوية.. ولابد من الاعتماد عند تقديمها علي مرجعيات موثوق بها فمثلا فيلم "الرسالة" كان وراءه مجموعة من المفكرين الكبار والعظماء وخرج العمل بشكل يخدم الإسلام ويمثل إضافة للعمل السينمائي.

ويشير الجندي إلي أن المبدعين يطالبون المؤسسة الدينية الإسلامية بإعادة النظر في المحظورات علي الشاشة لصالح الإسلام ولأن المحظور يتزايد يوما بعد آخر فبعد أن كان تناول العشرة المبشرين بالجنة بالظهور انسحب الأمر علي التابعين أيضا.

وقال الجندي: نحن لا نطالب بالتخلي الكامل عن قرار حظر التجسيد ولكننا نؤكد أنه من الممكن رفع هذا الحظر بالتدريج وليكن مشروطا بما يضمن عدم الإساءة لهذه الرموز.

ويشير إلي اننا في حاجة لتناول سير هؤلاء العظماء فهذه المنطقة من الإبداع في كل زمان ومكان نستطيع أن نقدم من خلالها مثلاً عظيمة كما انها وسيلة للدفاع عن ديننا الحنيف الذي يساء إليه في الغرب.

 

الفنانة مديحة حمدي تؤكد أن كثرة الأعمال الدينية التي يجري التجهيز لها ظاهرة صحية لكنها تؤكد في الوقت نفسه ضرورة الحصول علي موافقة الجهات المختصة لإجازة هذه الأعمال حتي لا يتم تحريف أي من أحداثها في ظل افتقادنا كعرب للثقافة الدينية الواعية.

وتشير إلي أن الجهات الدينية المختصة ستراعي نشر الثقافة الدينية بلا تطرف فلديها علماء الأمة الذين يعرفون توثيق الأحاديث والأحداث وما عليه إجماع وما فيه اختلاف.. وهو الأساس في تقديم هذه الأعمال لاسيما وأننا نعيش في عصر اختلط فيه الحابل بالنابل.

وترفض مديحة حمدي التعليق علي ظهور الأنبياء علي الشاشة وتجسيدهم لأن أهل الفتوى هم المختصون بذلك ومنهم تؤخذ الإجابة. مشيرة إلي انها في أدوارها التي قدمتها في الأعمال الدينية لم تتحدث بلسان الشخصية التي تقدمها وإنما تقول علي لسانها كأن تقول: تقول السيدة عائشة مثلا.

وتوضح أنها حريصة علي مراعاة جميع ملاحظات الأزهر حول مسلسل "أسماء بنت أبي بكر" فور الانتهاء من كتابته باعتبارها منتجة العمل بالمشاركة مع مدينة الإنتاج الإعلامي موضحة أن الأزهر لا يعطي تصريحات علي عمل ديني إلا بعد قراءة النص كاملا.

وتشير إلي أن العمل يتناول السيرة الذاتية لصحابية جليلة خدمت الإسلام كثيرا فهي ابنة الصديق أبو بكر وأخت عائشة رضي الله عنها.

 

يري الناقد طارق الشناوي أن الباب مفتوح لكل الأفكار ففي الوقت الذي يبث فيه كليب عاري يرد عليه آخر بكليب يدعو للحجاب. موضحا أن من حق الأقباط في مصر أن يقدموا المسيح من وجهة نظرهم لأنه إذا كان الإسلام يمنع تجسيد الأنبياء علي الشاشة فمن حق الأقباط التعبير عن أنفسهم بطريقتهم ووفقا لقواعدهم فالجمهور لن يخدع بعمل فني لمجرد أنه ديني. فالمشاهد اليوم أصبح لديه الوعي الكافي للتفرقة بين الجيد والرديء.

ويستبعد أن يكون التحضير لأكثر من عمل فني عن الأنبياء في الوقت الحالي يصب في اتجاه ديني كتوجه عام للأعمال الفنية.. مشيرا إلي أن الساحة الفنية بها أكثر من تيار معارض. وليس هناك تيار يمتلك الحقيقة وحده.

وعن ظهور الأنبياء في هذه الأعمال وهو ما يمنعه الأزهر يري الشناوي أن غالبية هذه الأعمال من الشيعة الذين لا يجدون حرجا في ظهور الأنبياء علي شاشتهم.

ويوضح أنه يمكن الاستعانة بوجهة نظرهم في الانتصار للفن فالأزهر نفسه يعترف بالشيعة كجزء من المسلمين.. وبالتالي لماذا لا نأخذ بقناعاتهم في ظهور الأنبياء علي الشاشة.. فالأزهر لن يعترض علي زواج المسلم السني بالشيعية.

ويري الشناوي أن قرار منع ظهور الأنبياء علي الشاشة ساهم بصورة أساسية في ابتعاد المنتجين عن إنتاج أفلام من هذا النوع خشية الوقوع في قرارات المنع.