أ.د / عبد الله أحمد جاد عبد الكريم
لقد تعرَّضت اللغة العربية لكثير من الأخطار، ونجت من هجمات كثير من الأعداء، وانتصرت في بعض المعارك الفتاكة، وفي القرن العشرين تعرضت - أيضًا - لكثير من الأخطار، وفُرِضت عليها كثيرٌ من المعارك؛ منها الآتي
الدعوة إلى استعمال الحروف اللاتينية، والادعاء أن العربية لغة غير علمية:والتاريخ اللغوي للغة العربية يدحض ذلك، وقد مر بنا ذلك عند الحديث عن عالمية اللغة العربية، ويضاف لما سبق ذكره قولُ جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب": "كلما تعمق المرء في دراسة العربية، تجلت له أمور جديدة، واتسعت أمامه الآفاق، وثبت له أن القرون الوسطى لم تعرف الأمم القديمة إلا بواسطة العرب، وأن جامعات الغرب عاشت خمسمائة سنة تكتب للعرب خاصة، وأن العرب هم الذين مدَّنوا أوروبا في المادة، والعقل، والخُلُق، فالعربية هي لغة التقنية في العلوم الإنسانية بصفة عامة، وفي العلوم الرياضية، وفي العلوم التجريبية، والنهضة الغربية قامت بفضل تقنية اللغة العربية، فلماذا لا يقف علماؤنا مثل الوقفة التي كانت من علماء العربية في العصور الوسطى؟!".
ولقد كانت اللغة العربية يومًا ما هي اللغةَ العلمية العالمية، وكانت تحتكر المؤلفات العلمية، فلا تكاد تُنشر إلا بها، وإن الحضارة الغربية الحديثة لَمَدِينةٌ للحضارة العربية الإسلامية - وهي في أزهى عصورها - بالإسهامات القوية في تطوير الفكر الغربي، عن طريق ما بذله الأوربيون في العصور الوسطى من ترجمة اللغة العربية للُّغات الأوروبية المختلفة.
وإن الاحتجاج بأن اللغة العربية لغة عاجزة عن استيعاب التقدم العلمي المعاصر - كلام يعبر عن الاستسلام والعجز مِن قِبل مَن يرددونه؛ لأنهم يتجاهلون أن اللغة العربية كانت هي لغة العلم الأولى طوال ما يُسمَّى بالعصور الوسطى في الغرب، وصدق "روجر بيكون" حينما قال: أعجب ممن يريد أن يتخصص في الفلسفة والعلوم، ولا يعرف اللغة العربية! لقد تعلم البشر جميعًا درس نقل العلوم من لغة إلى أخرى من العرب، حيث كانوا أصحاب أول حضارة تنقل نتاج الحضارات السابقة إلى لغتها، ومن خلال هذه الحركة النشيطة في الترجمة.
وعلى الرغم مما سبق - أيضًا - فقد عرفت اللغة العربية في القرن العشرين امتدادًا واتساعًا في رقعة الناطقين بها؛ سواء من أبناء الوطن العربي، أو من شعوب العالم الإسلامي، أو من غير هؤلاء، من الدارسين للغة الضاد لأسباب شتى من مختلف أنحاء العالم، ويمكن أن نقول: إن انتشار اللغة العربية في القرن الماضي ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ، وقد ساعد على ذلك الانتشار التوسعُ الكبير الذي عرفته البُلدان العربية في إنشاء المدارس، والمعاهد، والجامعات، وظهور الصحافة التي كانت في أول عهدها مع نهاية القرن التاسع عشر، وفي العقود الخمسة الأولى من القرن العشرين، أُسِّست مدارس شعبية للغة العربية، وفي تلك المرحلة تأسست مجامع اللغة العربية الثلاثة في دمشق (1918م)، وبغداد (1921م)، ثم في القاهرة (1932م)، وكان تأسيسها لغرض خدمة اللغة العربية، كما حُقِّقت ونُشرت في تلك الفترة أمهاتُ كتب التراث العربي الإسلامي، وكانت حركة تحقيق التراث العربي الإسلامي وظهرت في تلك الفترة معاجم لغوية عربية جديدة، وشُرع في وضع المعجم التاريخي للغة العربية، وإن كان العمل فيه قد تعثر، ثم توقف في بدايت.
ثم ظهرت الإذاعة التي كان لها إسهام كبير في نشر اللغة العربية في مختلف الأصقاع، فقد كانت تقدم للمستمعين برامجها باللغة العربية، ومن ضمنها المسلسلات التاريخية، والقصائد الغنائية الفصيحة لكبار الشعراء، أما التلفاز، فقد ظهر في مصر أولاً مع مطلع الستينيات، وهو له اليوم وظيفة أساس في نشر اللغة العربية على نطاق واسع، ويعزز هذا الانتشار للغة الضاد ظهور أقسام للغة العربية وآدابها في الجامعات العربية والإسلامية، وفي بعض الجامعات الغربية التي تهتم بتدريس اللغة العربية، والثقافة العربية، والحضارة الإسلامية، وازدهار حركة النشر باللغة العربية على نطاق واسع.
الادِّعاء الكاذب أنَّ العربية لغة غير علمية
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة