تحري الحلال فى البيت المسلم يفتح أبواب السعادة

أسرة وطفل
طبوغرافي

أكل الحلال صلاح للقلوب، وأكل الحرام من أخطر مهلكات القلوب ومبددات الإيمان، وإذا كنا على أبواب رمضان فنحن في أشد الحاجة إلى تحري الحلال حتى يستجاب لنا الدعاء، وتقبل منا الطاعات .
فرمضان موسم القرب من الله وزمن العائدين والتائبين، وكنز الصالحين العابدين، وجنة الصائمين، إذا قبل لك عمل كان أثقل عند الله من أعمال كثيرة فيما سواه، فأعد العدة للعمل في رمضان، وأهم هذه الإعدادات أن تطهر مطعمك حتى يستجاب دعاؤك ويقبل عملك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات)) وعقب ذلك بقوله: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)).

قال المناوي : فهو ملك والأعضاء رعيته، وهي تصلح بصلاح الملك، وتفسد بفساده وأوقع هذا عقب قوله: ((الحلال

بين)) إشعاراً بأن أكل الحلال ينوره ويصلحه والشُّبه تقسيه .

ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الحرام، مبيِّناً آثاره الضارة على دين العبد وسلامة عبادته، فقال

صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيِّباً، وإن الله - تعالى - أمر المؤمنين بما أمر به

المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِـحاً} [المؤمنون: 51]، وقال - تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا

رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام؛ فأنى يستجاب لذلك؟ [رواه مسلم: 1015].

قال ابن رجب - رحمه الله - في شرحه لهذا الحديث: ((في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يُقبَل العمل، ولا يزكو إلا

بأكل الحلال، وأنَّ أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قَبُوله؛ فإنه قال بعد تقريره: ((إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيِّبًا وإن الله

أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين))، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِـحاً} [المؤمنون: 51]، وقال

- تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]))، والمراد بهذا أن الرسل وأممَهم مأمورون

بالأكل من الطيِّبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح؛ فما دام الأكل حلالاً فالعمل صالح مقبول؛ فإذا كان الأكل غير

حلال؛ فكيف يكون العمل مقبولاً؟ وما ذكره بعد ذلك من الدعاء، وأنه كيف يُتَقبَّل مع الحرام؛ فهو مثال لاستبعاد قبول

الأعمال مع التغذية بالحرام)) [جامع العلوم والحكم، ص 100].

أكل الحلال نجاة من الهلاك، وسبب في الفوز بالنور والخيرات في الدنيا والآخرة: قال سهل بن عبد الله : النجاة في

ثلاثة: أكل الحلال، وأداء الفرائض، والاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم .

وقال: ولا يصح أكل الحلال إلا بالعلم، ولا يكون المال حلالا حتى يصفو من ست خصال: الربا والحرام والسحت

والغلول والمكروه والشبهة.

وما دمنا في رمضان نحتاج إلى الخشوع والقرب من الله ولذة الإيمان ولذة الطاعات وسعادة العبادة التي تغسل عنا كيد الشيطان وتطهر قلوبنا حتى تستأنف العمل طاهرة نقية، فلا بد أن نعلم أن أكل الحرام يحرم لذة الإيمان، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، قيل: من أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .

إن تحري الحلال في البيت المسلم قد يفتح بابًا من الفضل والنعمة والسعادة في الدنيا والآخرة ، وكلنا يذكر قصة ابنة بائعة اللبن التي رفضت أن تأكل من حرام، وراقبت الله في السر، وخشيته فكافأها الله في الدنيا ويرجى لها الأجر العميم في الآخرة فكل ميسر لما خلق له:

عن أسلم قال: بينما كنت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يعسُّ بالمدينة إذا هو قد أعيا فاتَّكأ على جانب

جدار في جوف الليل؛ فإذا امرأة تقول لابنتها: يا بنتاه! قومي إلـى اللبن فامذقيـه بالماء (أي اخلطيـه)، فقالت لها

ابنتهـا: يا أُمتاه! أما علمـت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم، ألا يُشاب اللبن بالماء، فقالت الأم: قومي إلى

اللبن فامذقيه بالماء؛ فإنك في موضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت البنت لأمها: والله! ما كنت لأطيعه

علانية وأعصيه سرّاً، وكان أمير المؤمنين في استناده إلى الجدار يسمع هذا الحوار فالتفت إليَّ يقول: يا أسلم! ضع

على هذا الباب علامة، ثم مضى أمير المؤمنين في عَسِّه، فلما أصبح ناداني: يا أسلم! امضِ إلى البيت الذي

وضعتَ عليه العلامة، فانظر من القائلة، ومن المقول لها؟ انظر هل لهما من رجل؟ يقول أسلم: فمضيت، فأتيت

الموضع؛ فإذا ابنة لا زوج لها، وهي تقيـم مع أمها وليس معهما رجل، فرجعت إلى أمير المؤمنين عمر فأخبرته الخبر،

فدعا إليه أولاده، فجمعهم حوله ثم قال لهم: هل منكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه؟ لو كان بأبيكم حركة إلى

النساء، ما سبقه أحد منكم إلى الزواج بهذه المرأة التي أعرف نبأها، والتي أحب لأحـدكم أن يتزوجهـا. فقال عاصم

يا أبتاه! تعلم أنْ ليس لي زوجة؛ فأنا أحق بزواجها. فبعث أمير المؤمنين من يخطب بنت بائعة اللبن لابن أمير

المؤمنين عاصم، فزوجه بها، فولدت له بنتاً تزوجها عبد العـزيز بن مروان، فولدت له خامس الخلفاء الراشدين الخليفة

الزاهد عمر بن عبد العزيز، رضوان الله عليهم أجمعين)).

إن عباد الله الصالحين كانوا أكثر الناس حرصًا على أكل الحلال وتحريه والتقرب إلى الله بإخلاص كسبهم وجعله حلالًا: قَالَ أَبُو سِبَاعٍ : اشْتَرَيْتُ نَاقَةً مِنْ دَارِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه، فَلَمَّا خَرَجْتُ بِهَا، أَدْرَكَنَا وَاثِلَةُ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ: يَا عَبَد اللَّهِ ! اشْتَرَيْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ: هَلْ بَيَّنَ لَكَ مَا فِيهَا؟ قُلْتُ: وَمَا فِيهَا ؟ قَالَ: إِنَّهَا لَسَمِينَةٌ ظَاهِرَةُ الصِّحَّةِ، فَقَالَ: أَرَدْتَ بِهَا سَفَرًا أَمْ أَرَدْتَ بِهَا لَحْمًا؟ قُلْتُ : بَلْ أَرَدْتُ عَلَيْهَا الْحَجَّ، قَالَ : فَإِنَّ بِخُفِّهَا نَقْبًا، فَقَالَ صَاحِبُهَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ! أَيْ هَذَا تُفْسِدُ عَلَيَّ، قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إِلَّا يُبَيِّنُ مَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا يُبَيِّنُهُ )) [ أخرجه أحمد].

هكذا كانوا يحرصون على أكل الحلال حتى تستقيم بيوتهم ويصلح الله أمرهم كله وتقبل أعمالها ويستجاب

دعاؤهم، ويشعرون بالسعادة الغامرة للعبادة التي لا يشعر بها إلا من صفا قلبه وطهر باطنه وظاهره ووقف أمام

خالقه بقلب سليم لا ينظر إلى الدنيا ولكن ينظر إلى الآخرة ورضا الرب الكريم .

نسأل الله العلي العظيم أن يطهر بيوتنا من الحرام، وأن يبارك فيها من الرزق الحلال، وأن يتقبل منا صالح الأعمال

ويرزقنا بركة الإيمان التي تعم بيوتنا فتجعلها جنة لا يدخلها إلا المخلصون .