استشارات أسرية: أم أولادي تبيعني بكيلو كعك!

استشارات
طبوغرافي

 

الأستاذة/ سمية رمضان

مستشار أسرى

download

 السؤال:

أنا زوج وأب لثلاثة من الأبناء، ومشكلتي هي زوجتي، فزوجتي مسرفة جدا، وكثيرا ما أضطر أن أتداين لألبي لها طلباتها التي لا تنتهي، وكانت أخر مشكلة بيننا بسبب ملابس العيد وكعك العيد، فهي تحملني ما لا أطيق، فأنا ممن يطلقون عليهم الطبقة المتوسطة، والحمد لله ظروفي أفضل من غيري بكثير، ولكن التطلع الدائم لزوجتي جعلني لا استطيع توفير كل طلباتها. فملابس العيد من ماركات غالية الثمن بلا داع، وهذا بالطبع استنفد مرتب شهرين كاملين، وبعدها، طلبت مني مبلغا كبير لعمل كعك العيد والبيتي فور، فأخبرتها بأنه يمكننا شراء 2 كيلو جاهز، فثارت وانفعلت، وانتهى الأمر بذهابها لبيت أهلها، وتركت أولادنا معي، وبعدها طلبت الطلاق، وأصرت عليه، وهذا ما جعلني أفكر جديا في الطلاق، وقد تدخل أهلها وبعض أهل الخير لإصلاح ذات البين، ولكن طلبها للطلاق لهذه الأسباب التافهة جعلني أفكر في كل مواقفها السابقة معي، فقد مررت بأزمات في حياتي لأكثر من مرة، واضطررت للاقتراض، ولم تكن تراعي ظروفي، ففي عز أزمتي كانت لا تبالي بطلب الكثير والكثير، بل وتعايرني بأزواج أخواتها وصديقاتها، الذين يعيشون في بيوت فارهة، وأنها قليلة الحظ لأنها ليست مثلهم. كل هذه التصرفات تركت في حلقي مرارة، خائف من مستقبلي معها، وهي الآن مستعدة للرجوع، ولكن المشكلة في مشاعري نحوها، فقد كانت أحب الناس إلي، والآن تبيعني بكيلو من الكعك.. ماذا أفعل خبروني؟!

فى زحمة الحياة، تصادفنا المشكلات، فهناك من يقابلها بثقة وثبات، وهناك من يرتبك ويغرق فى بحارها؛ لذا خصصنا هذه السطور لنطرح الأفكار ونقدم الحلول التى  تساعدنا فى تخطى تلك المشكلات، والعبور مع قرائنا الأعزاء إلى بر الأمان.

أخي الفاضل..

أهلاً ومرحبًا بك ضيفًا عزيزًا على صفحة استشارات أسرية بجريدة الفتح اليوم، ونشكر لك أخي الفاضل ثقتك فينا. نبدأ المشكلة من حيث بدأت، فقد ذكرت أنك أب لثلاثة من الأبناء، وهذا يجعلنا نخرج من دائرة تفكيرك الضيق في علاقتك بزوجتك، فعلاقتك بها لم يعد لها طرفان فقط، أنت وهي، بل امتدت لتشمل أبناءكما، حفظهم الله ورعاهم وجعلهم قرة عين لكما في الدنيا والآخرة.. آمين.

أخي الفاضل..

 الطلاق ليس حلا للمشكلة، بل سيزيد المشكلة ويعقدها، وسيدفع ثمن هذا القرار أولادك، كما ستدفعه أنت من راحتك، فلا تكن سببا أخي الفاضل في هدم بيت، بل عليك رأب الصدع، وتجاوز المشكلات، فتريث ولا تتعجل، وفكر بعمق في كل جوانب المشكلة، مع وضع حلول و بدائل عملية قابلة للتطبيق؛ حتى نستطيع حلها معا.

المشكلة بالنسبة لك لها جانبان، جانب عاطفي ووجداني، وجانب مالي ومادي، أما الجانب العاطفي فالأيام كفيلة بحله، فبالتأكيد زوجتك مازالت تحبك بدليل موافقتها على العودة إلى بيتكما، فهي ربما تكون مسرفة أو غير ناضجة بما يكفي، فتسامح معها في هذا الشهر الكريم، ولتبدأ معها صفحة جديدة إن شاء الله.

الجانب الآخر أخي الفاضل، هو الجانب المادي، ويمكنك عمل جلسة عرفية من أهل الخير الذين توسطوا بينكم وأخواتها، بتحديد مبلغ شهري ثابت، تأخذه أول كل شهر، وتكون هي المسئولة عن كل متطلبات الأسرة والبيت، وستجد أنها أصبحت أكثر حكمة في الإنفاق، لأن المسئولية ستجعلها تفكر في بدائل للإنفاق، وربما وجدتها بعد فترة تدخر مما تعطيه لها.

زوجتك تحتاج إلى وقفة مصارحة، وأن تجلسا سويا وتقررا ماذا تفعلان بالحوار والتفاهم، وبالطبع المشكلة لم تبدأ من الآن، فأنت أب لثلاثة أبناء وتحملت كل السنوات السابقة، وربما كان تحملك لطباعها وشغفها المادي سببا من أسباب تفاقم المشكلة.

والآن.. همسة في أذن كل زوجة..

لكل بيت ظروفه، فلا تتطلعي لغيرك، فقد يكون هذا التطلع نذير خراب للبيوت، وعليكِ بالقناعة والرضا بما قسم الله لكِ، فليس بالماركات العالمية للملابس والعطور يحيا الإنسان، وليس بالمظاهر وحدها سعادته، فالسعادة تنبع من داخل الإنسان وليس بما لديه من أموال، (فالسعادة فيما نشعر وليست فيما نملك).

والزوجة العاقلة هي التي تصون سرها في بيتها، ولا يعلم أحد عن هذا البيت شيئا، فربما اشتدت عواصف الحياة بنا، فعلينا أن نكون أقوى من تلك الرياح والعواصف، فتقوي أواصر البيت الحب والمودة والرحمة والتعاون والإيثار والعطاء.

يروى أنه كان رجل من الصحابة، مواظبا على الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم لا يتخلّف، وكان شديد الفقر ممزّق الثوب، ولما صار ثوبه من التمزق بحيث لم يعد يستره، اضطر إلى ان يتخلف عن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم عدّة أيام، فرقّت له زوجته وأعارته ثوبها حتى لا يحرم من الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم. وقالت له: عد إلي فور فراغك لأقيم صلاتي في وقتها، فصلى وعاد مسرعا إلى زوجه، ولما لم يره الرسول صلى الله عليه وسلم سأل عنه. فقال له أهل المجلس: إنه فرّ من المسجد. فأمرهم بإحضاره إليه بعد فراغه من صلاته في اليوم التالي ـ قبل خروجه ـ ولما حضر إليه سأله عن سبب خروجه، فقال له: إني وزوجي لا نملك إلا ثوبا واحدا فحرصت على الصلاة خلفك، وحرصت زوجي على الصلاة في أول الوقت، فرقّ له النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه ثوبا، ولما عاد إلى بيته سألته زوجه عن سبب تأخره، فأخبرها بما كان، فقالت له: يرحمك الله، أتشكو ربك لرسوله؟. فهذه المرأة العاقلة المؤمنة الموقنة ترفض أن تفشي سرها وسر بيتها، وألا تشكو لأحدٍ فهي حينما تشكو لا تشكو زوجها، بل تشكو الله، فما أعظم هذا الفهم عزيزتي الزوجة.

وها هي الأرملة الفقيرة تعيش مع ابنها الصغير في غرفة فوق سطح إحدى العمارات، ولكن تلك الغرفة كانت تتكون من أربعة حوائط وباب، ولم يكن لها سقف، في أحد أيام الشتاء الباردة نزل المطر غزيرا، فأخذت الأم ابنها في حضنها لتخبئه من المطر، ولكن المطر كان شديدا، ففكرت الأم في حيلة، فخلعت باب الغرفة، ووضعته مائلا على أحد الحوائط، واختبأت تحته هي وابنها من ماء المطر، وهنا قال الطفل: الحمد لله يا أمي أننا أغنياء ولدينا باب غرفة يحمينا من المطر، ترى يا أمي ماذا يفعل الفقراء الذين لا يملكون بابا للغرفة في تلك الأمطار؟! لقد شعر الطفل بالغنى بامتلاكه باب غرفة، وربما لم يشعر بالغنى من لديه القصور الفارهة.

والآن..

نداء إلى كل زوج أكرم زوجتك وأحسن إليها في شهر الإحسان ما دامت لديك القدرة، وأدخل السرور على قلبها وقلب أولادك ولا تبخل، وتذكر من لا يملك قوت يومه قبل عيد الفطر.

وأهمس في أذن كل زوجة، رفقا بزوجك، فصبرك عليه يدخلك الجنة، وانظري إلى ما تملكين، ولا تتطلعي لما يملكه غيرك، فالسعادة كل السعادة في الرضا والقناعة.