الغش يهدد مستقبلي.. تذكر أنك مراقَب!

استشارات
طبوغرافي

بقلم: سمية رمضان
المستشار الأسري

الشاعره سمية رمضان عبد الفتاح

أنا طالبة بالثانوية العامة أدبي، أذاكر بجد واجتهاد منذ إجازة العام الماضي، وتعبت جدا في التحصيل والمذاكرة، وعندما دخلت للامتحان أجد زميلاتي يتبادلن الإجابات، ولاحظت انتشار صفحات الغش على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد قاموا بوضع الإجابات النموذجية للأسئلة، والتي هي أفضل من إجابتي بكثير، في حين أجد أن زميلاتي اللائي لا يذاكرن طوال العام قد أجبن بشكل أفضل بالغش.
وقد نشأتُ في بيت غرس بداخلي الأخلاق والقيم، فتربيت على عدم الغش، ودائما تقول لي أمي: "الرسوب أهون من نجاحك بالغش"، وأبي يذكرني: "من غش فليس منا".. فتعودت منذ نعومة أظفاري على عدم الغش مهما حدث، ولكني عندما رأيت ما يحدث أمامي شعرت أن مستقبلي في خطر، فالبطبع سيحصل غيري على درجات أفضل مني وبالتالي سيرتفع التنسيق، وسأكون أنا المتضررة.. أشعر بالحيرة والحزن، وأحيانًا أتمنى عدم استكمال الامتحانات، هل أظل كما أنا، أم أفعل مثل زميلاتي، فأنا أفضل منهن في المستوى الدراسي بمراحل، ومع ذلك ستكون درجاتي مثلهنّ أو أقل منهن، وسيدخلن كليات أفضل مني، خبريني ماذا أفعل؟!

ابنتي الغالية: أهلاً ومرحبًا بكِ ضيفة عزيزة على صفحة استشارات أسرية بحريدة الفتح اليوم، ولقد سعدتُ برسالتك جدًا يا ابنتي، فمن منا لا يتمنى أن تكون له ابنة بأخلاقك ونبوغك.. وفقك الله لما يحب ويرضى.

حبيبتي.. هل تعلمين أن لي ابنة في الثانوية العامة مثلك، وقد ربيتُها كما تربيتِ على الأمانة وعدم الغش، وأنا سأتقبل نتيجتها أيا كانت طالما فعلتْ ما في وسعها من جهد ومذاكرة واجتهاد، والنتيجة نتقبلها بكل الرضا، وما يهمني حقًا هو مدى استفادتها من المواد التي درستْها خلال العام، وكيف تستفيد منها في حياتها المستقبلية، وأهم من نجاحها وتفوقها في الاختبار الدراسي تفوقها ونجاحها في اختبار المبادئ والقيم، وهل ستضعف وتنسى مبادئها مع أول عاصفة، أم ستظل شامخة كالجبل بأخلاقها، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يكن أحدكم إمعة إذا أحسن الناس أحسن وإن أساءوا أساء".

حبيبتي .. هل انتشار الغش مبرر أن نغش؟!
بالطبع لا حبيبتي، وتخيلي معي كيف سيكون المجتمع إذا انتشر الغش في كل شيء في حياتنا، هل نستطيع العيش فيه، هل ستأمنين على نفسك في هذا المجتمع؟!
حبيبتي.. نحن في شهر الصيام، شهر التقوى والمراقبة، وتخيلي معي أن هناك كاميرات مراقبة مثبتة بداخل لجنة الامتحان، وسيراكِ أحب الناس إليك وأنتِ تحاولين الغش، فكيف سيكون شعورك؟! بالطبع سترفضين أن تكوني في هذا الموقف، فما بالك إذا كان كان الذي يراقبكِ هو رب العزة سبحانه وتعالى، المطلع عليك وعلى تصرفاتك، بل الأكثر من ذلك، يعلم السر وأخفى، هل ستفكرين في الغش وقتها؟!
حبيبتي.. لقد فرض الله سبحانه وتعالى شهرًا كاملاً نصومه لنتدرب على التقوى ومراقبة الله في السر والعلن لأنها أساس الحياة الفاضلة السعيدة، ثم الفوز بالجنات يوم القيامة، ويا لها من أمنية غالية!

ابنتي الحبيبة.. إن الله كريم جواد ولن يضيع عملك أو جهدك، ودائمًا يختار الله لنا الأفضل، فالخير كل الخير في قدر الله، وإن رأينا بنظرتنا القاصرة غير ذلك.
حبيبتي.. هيا استعيدي نشاطك وقوتك من جديد، وادخلي إلى قاعة الامتحان بثقة في نصر الله وتأييده، فالله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فهو الحق وصاحب الفضل والجود والإكرام.

حبيبتي.. أنتظر قريبًا رسالة أخرى منك تبشريننا فيها بنجاحك وتفوقك، وأتمنى أن تتواصلي معنا دائمًا، فأنا سعيدة جدًا بنفسك اللوامة وأخلاقك الكريمة، حفظكِ الله يا بُنيتي، وأكثر من أمثالك، وتحيةً إلى والديكِ الكرام، وإلى تلك الأسرة الرائعة التي تحرص على تنشئة أجيال صالحة، وعلى غرس القيم والمبادئ السامية.
وسأختم حواري معكِ بقصة رائعة، وهي قصة التابعي الزاهد سهل التستري، فقد كان سهل التستري طفلاً صغيرًا، وفي يوم استيقظ في جوف الليل، فرأى خاله يصلي قيام الليل، فقال له خاله: "يا سهل، ردّد في كل يوم: الله معي.. الله شاهدي.. الله ناظري.. الله مطلع عليّ". وبالفعل بدأ سهل التستري يفعل ذلك دون أن يفهم المعنى في البداية، ثم بعد فترة بدأ يفكر في معاني تلك الكلمات، فكان كلما أقبل على المعصية تذكر أن الله معه وشاهده وناظره ومطلع عليه، فيخشى أن يراه الله على معصية، فيتجنب المعاصي، وعندما كان يقبل على الطاعة كان يعلم أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فكان يجوّد الطاعة ويتقنها، وبهذا الخلق الرائع وهو مراقبة الله في السر والعلن كان صلاح الفرد
وصلاح المجتمع.