بقلم: سمية رمضان
المستشار الأسريأهلاً ومرحبًا بكِ أختي الفاضلة ضيفة عزيزة على صفحة استشارات أسرية بجريدة الفتح اليوم، وندعو الله أن نكون سببا في إدخال السرور إلى قلبكِ إن شاء الله.
حبيبتي.. من العجيب أنك استعرضتِ في رسالتكِ المرَض والعرَض والعلاج، نعم حبيبتي، فقد تحدثتِ عن سعادتك في فترة العبادة الدائمة والهمة العالية في رمضان، فبالفعل حبيبتي، لذة الأنس بالله ليس بعدها لذة، والإحساس بمعية الله متعة لا تدانيها متعة، ولعل هذا ما جعل أحد الصالحين يقول: لو علم الملوك ما نحن فيه من لذة الطاعة لقاتلونا عليها بالسيوف.وفي رمضان؛ حيث قيام الليل، ولذته وسعادته، تذوقتِ طعم السعادة الحقيقي كما يقال: "من ذاق عرف"؛ ففي هذا الوقت من الليل يكون الهواء أكثر نقاء، والجو أكثر صفاء، والنسيم العليل يملأ الدنيا بعبيره، والسكون والهدوء يغمر الكون، فتشعرين كأنك في عالم آخر غير عالمنا الذي نعيش فيه، وكأن الدنيا كلها تستعد وتتزين لنزول رب العزة - سبحانه وتعالى - إلى سمائنا الدنيا في الثلث الأخير من الليل.
ولهذا قال أحدهم : ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملُّق في قلوبهم باللَّيل من حلاوة المناجاة. وقال آخر: لو عوَّضَ الله أهل اللَّيل من ثواب أعمالهم ما يجدون مِن اللذَّة لكان ذلك أكثر مِن ثواب أعمالهم.
وكان الفُضَيْل بن عياض - رضي الله عنه - يقول: إذا غربت الشمس فرحتُ بالظلام؛ كي ينام الناس؛ فأخْلُو بالله - عز وجل -.
وعندما سُئِل الحسن البصري رضي الله عنه: لماذا المجتهدون بالليل أجملُ النَّاس وجوهًا؟ قال: لأنهم خَلَوْا بالرحمن فألبسهم الله من نوره.
وها أنتِ أيضًا حبيبتي تذكرين لنا تجربتك مع البحث عن السعادة، فبحثتِ عنها في المظاهر والأموال، فأشبعتِ حاجة الجسد بينما بقيت الروح جائعة، فافتقدتِ معنى الأمان والسعادة.
وصدق الشاعر حين قال: ولست أرى السعادة جمع مال.. ولكن التقي هو السعيدُ
فالإنسان- حبيتي- كيان متكامل، جسد وروح، جسم وعقل، وحتى يستطيع أن يعيش فى سعادة فعليه إشباع احتياجاته كلها. وهناك سبع جوانب للشخصية، على كل منا الاهتمام بها جميعا؛ حتى يستشعر السعادة في كل حياته، وهي: الجانب الإيماني، والجانب الشخصي، والجانب الصحي، والجانب العلمي والعملي، والجانب الأسري، والجانب الاجتماعي، والجانب المادي.ونحن المسلمين نعيش حياتنا كلها عبادة لله، فننجح في كل هذه الجوانب السبعة، ونشعر بالسعادة في الدنيا، ونحن نستحضر النية أن كل حياتنا لله {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، فالنية الصالحة تحول العادات إلى عبادات، فلو أخذنا على سبيل المثال الجانب الصحي، واهتم كل منا بصحته من منظور المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، فسيكون له سعادة الدنيا وثواب الآخرة، وهكذا في كل مناحي الحياة.
فمثلاً تشكو إحداهن من كثرة أعمال المنزل وتقول: أريد أن أتفرغ للعبادة تفرغًا مطلقًا، فأقول لها: أدي ما عليكِ من فروض، وحاولي قدر المستطاع الفوز بالنوافل والسنن، واستثمري وقت أعمال المنزل في الذكر والتسبيح، وستجدين البركة في كل عمل، عند الطبخ أو التنظيف، فكلها أعمال عضلية، فاجعليها مصاحبة للذكر، وهكذا يكون ثواب أعمال المنزل مع ثواب الأذكار.
ومن الجميل حبيبتي أن يرى الله أثر نعمته علينا، فنبدو بالمظهر الجميل، ولكن دون إسراف أو تقطير، فديننا دين الوسطية والاعتدال، فاستمتعي بحياتك، ولكن خططي لها جيدا، وأحسني استغلال ما لديكِ من وقتٍ ومال في كل ما يفيد، ولكن مع التخطيط الجيد للمستقبل، ولهذا وجهنا القرآن للأسلوب الأمثل للإنفاق في قوله تعالى:{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}.
حبيبتي: تقولين- إنك ما شاء الله- تعملين في وظيفة مرموقة ولديكِ أربعة من الأبناء، وعلاقاتك الاجتماعية جيدة، وهذه كلها نعم عظيمة، ومصدر للسعادة، فاستشعري هذه النعم، واشكري الله عليها ليل نهار، فالسعادة الحقيقية لا تكمن في الأشياء ولكن في إحساسنا بالأشياء، وقد ينظر أحدنا إلى وردة فلا يرى منها إلا الأشواك، فالمشكلة تكمن أحيانًا في نظرتنا المتشائمة:
وترى الشوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقها الندى إكليلا
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئًا جميلا
أيهذا الشاكي وما بك داء
كن جميلا ترى الوجود جميلا
أشعر بالحزن والكآبة.. إليكِ أسرار السعادة!
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة