د.محمد السيد / محاضر دولى
وخبير فى التنمية البشرية
يولد المرء وهو لم يختر أن يولد.. يجد نفسه يعيش أوساطًا وظروفًا حسنة كانت أم سيئة، وقد قدرها الله عليه وهو فى بطن أمه منذ أن أرسل إليه الملك لينفخ فيه الروح.. ووسط هذه الأقدار يمارس رغبة ملحة وجدت معه.. إنها الأحلام والطموحات ( يجد.. يجتهد.. يعمل.. يدعو.. ينجح...) ثم تستقر عنده فكرة النجاح الأكيد فى كل مرة، ولكن! أحيانًا تعصف الرياح بهذه الأحلام.. وتسقط صخور القصور.. ويعيد كرّة بعد كرّة ..ينجح فيها ويصيب تارة، ولا يكتب له النجاح أحيانًا أخرى، ولكن ما إن يزاد الفشل حتى تبدأ الأزمات النفسية، من الاكتئاب أو الانهيار العصبي، ويلبس حينها النظارة السوداء.
ولكن ما الحل الأنجح لهذه الاضطرابات؟ إنها ابتسامة جريئة تعبر عن الثقة العظيمة فى الله جل وعلا، الذى لن يختار لنا إلا الخير والرضا فالرضا بالله عز وجل إشراقة شمس وضاءة وسط الغيوم...إنه الحكيم العليم، الذى لن يقدّر لنا إلا الخير لأنه أرحم بنا من أمهاتنا.
سعادة عظيمة ينشرها فى النفس الرضا عن الله، فى كل ما يقدره.. ثم تأتى ثمرته بسرعة فى القلب؛ فيصير قلبًا يرتع فى رياض المحبة والرضا.. فيجد سعادة لا يعرف قدرها إلا من عاشها.. ثم يأتى التوفيق والتمكين.. فتشرق الأرض بالورود والعبير، ويصير المرء فى جنات النعيم.
ما أقسى الحرمان!
أينما اتجهت رأيت صور الحرمان.. يحرم الوالد ابنه، يحرم الفقيرماله، يحرم السيد خادمه، يحرم الصغير أمه، يحرم المبدع معينه، يحرم الحبيب حبيبه.
كل معانى الحرمان تتجسد فى ساعة بلاءٍ لا يُرفع، ونداءٍ لا يُسمع.
حين نـُحرم الرضا.. يضيع كل شيء.. وتختنق البسمات، تشتد المصائب، وتعظُم المهلكات.
حين نـُحرم الرضا نفقد الإحساس بكل شيء.. تضيع النيات، تتبعثر الأطروحات، وتنهار السامقات.
أعلمت الآن ما أقسى حرمان الرضا؟!
مصائب وابتلاءات.. تعصف بكل فرد؛ تقذف به هنا وهناك، ولكن! من سكن الرضا قلبه، سكنت أركانه، وغشيته الرحمة، فظلَّ رغم الأذى يكسوه الرضا.. وياروعة ذلك! من منا لم يئنُ من المصيبة، ويبكى الألم؟، من منا لم يمزقه حدث ويهزمه جرح؟
ولكن يفيض نور الرضا يهِبُه الله لمن يحبّ.. فما أروع الحب والرضا..! فالرضا تمام المحبة ويعقبه الاقتراب، فما أروع أن يقترب العبد من جلال المولى جل وعلا، فيعيش عذب المحيا.
- قال ابن عطاء الله السكندرى رحمه الله تعالى: “الرضا”: نظر القلب إلى قديم اختيار الله تعالى للعبد، وهو ترك التسخط.
- فالرضا مقام قلبي، إذا تحقق به المؤمن استطاع أن يَتلقَّى نوائب الدهر وأنواع الكوارث بإيمان راسخ، ونفس مطمئنة، وقلب ساكن، بل قد يترقى إلى أرفع من ذلك فيشعر بالسرور والفرحة بمر القضاء، وذلك نتيجة ما تحقق به من المعرفة بالله تعالى، والحبِّ الصادق له سبحانه.
هو أسمى مقامًا وأرفع رتبة كالصبر، إذ هو السلام الروحى الذى يصل بالعارف إلى حب كل شيء فى الوجود يرضى الله تعالى، حتى أقدار الحياة ومصائبها، يراها خيرًا ورحمة، ويتأملها بعين الرضا فضلاً وبركة. لقد كان بلال رضى الله عنه يعانى سكرات الموت وهو يقول:”وافرحتاه! غدًا ألقى الأحبة، محمدًا وصحبه”.
الرضا والحرمان
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة