بقلم:
دكتور/ أحمد طقش
الإعلامي والمحاضر الدولى
لا يحرّم الإسلام الاستمتاع بالحياة، بل يقننه وينظمه، وبما أن القلوب إذا كلّت عميت، وبما أننا في فصل الصيف، فلا بأس من الترويح عن النفس بشيء من اللهو البريء المفيد في الوقت نفسه، لقد آن أوان صلة الرحم وعيادة المرضى، طالما أن فصل الشتاء كان مليئا بالعمل وطلب العلم، وإذا أراد أحدنا أن يخطط لقضاء صيف جميل فما عليه إلا أن يتذكر:
أولا: أن المال الذي سيسافر به هو هبة من عند الله، فلا يجوز بعد أن طلبت من الله الرزق أن تعصيه في ماله الذي أعاره لك.
ثانيا: ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) الإسراء36، سوف تسأل عن كل كلمة تقولها وعن كل كلمة تسمعها أو منظر تبصره أو خاطرة تخطر على قلبك، فاحذر أن يراك الملك سبحانه في موضع لا يليق بعبوديتك له.
ثالثا: فصل الصيف هو خير وقت للـ( الرسوم المحسنة ) ردك الإيجابي على ( الرسوم المسيئة) حيث بإمكانك التفكير ثم تنفيذ صور وملصقات وإعلانات تروج لحقيقة الدين العظيم حيث السماحة والفضيلة والطهارة ومكارم الأفعال ثم الأخلاق.
رابعا: إن هذه الإجازة هي خير وقت لإعادة قراءة كتاب رياض الصالحين للإمام النووي، وكتاب شرح أسماء الله الحسنى للدكتور راتب النابلسي، وكتاب لا تحزن للدكتور عائض القرني.
خامسا: عدم ترك المداومة على تعلم علوم القرآن: التجويد، التفسير، دراسة أسباب النزول، وإخبار الأهل و الأصدقاء في رحلات الصيف أن: جنات ألفافا هي البساتين ملتفة الأشجار، وأن المطففين هم المنقصون في الكيل والوزن، وأن الطارق هو النجم الثاقب ليلا، وأن طور سينين هو جبل المناجاة لكليم الله موسى عليه السلام، وأن العاديات هي الخيل التي تعدو في الغزو، وأن مثقال ذرة هو وزن أصغر نملة أو هباءة، وأن الكوثر هو نهر في الجنة أو خير كثير، وأن الصمد هو وحده المقصود في الحوائج.
و هكذا تجمع في صيفك الجميل بين السباحة والرماية وركوب الخيل، وبين ذكر الله والأنس به والدعوة إلى دينه العظيم، لأن أوقات العبد الحقيقي كلها لله، يسخرها في التقرب إليه عن طريق استثمارها بما يفيد أمته ومجتمعه ونفسه، وقد قال الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ ) رواه البخاري، وقال الحسن البصري: (أدركت أقواما كان أحدهم أشح على وقته منه على درهمه ) لذلك فقد حان حين تشمير السواعد للسعي إلى جنة عرضها السموات والأرض، عن طريق قبول البيع الكامل لله ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) التوبة111
ثم إن هذا الصيف الجميل سيتلاقى مع الجمال الذي يفيض في نفسك، في البحر مثلا ستسبح الله العظيم مع كل سمكة سابحة مسبحة، وسيكون هذا الأزرق الفوار ملهما لك كي تتأمل بديع صنع الخالق في خلقه، وكيف صارت هذه الكميات الكبيرة من الماء المتدفق خادمة لمشيئة الله الناصرة لعباده المؤمنين (و إذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون ) البقرة50، ثم إن هذا البحر نفسه خادم مذلل للمنافع التجارية حيث تنقل البحار آلاف السفن لأغراض تبادل السلع المفيدة لأمثالك من المتعظين المعتبرين ( والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) البقرة164، ثم سبحان الله الكريم الذي نوع اللذائذ، سنتفكر سوية بمختلف أنواع الأطعمة والأشربة التي متع الله بها كل البشر الطائعين منهم والضائعين، ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) المائدة 96، وما هذه الأخشاب المتراصة التي تجمعت لخدمتك فوق الماء ؟، ألم تندهش معي من كرم الكريم سبحانه معنا كلنا، كيف تستطيع هذه السمكة الاصطناعية أن تنقلنا في جوفها فوق البحر للدراسة أو العمل في بلد بعيد ؟ ( ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ) الشورى 32، بحق أنا أنصحك ألا يغيب عن ذهنك الشريف وأنت واقف أمام شاطئ البحر أن تناجي ربك شاكرا معترفا بفضله العميم العظيم.
إن هذه الصيفية الممتعة ستزيد صلتك بالله، فمثلا لو قضيت مخيمك الصيفي في إحدى الغابات، سيذكرك هذا المكان الأنيس بخالقه سبحانه وكيف متعنا بهذا الغطاء العشبي الفيروزي الذي يسحب شحنات ضغط العمل والتوتر من النفسيات التي ستغدو منبسطة كانبساطه مخضرة كاخضراره، أما بالنسبة إلى الصحراء فيجب أن تدخل ذهبيتها إلى أرواحنا حيث التأمل بهذه المنطقة المشتعلة بالحيوية نهارا وكيف ستصبح رطبة منعشة الهواء ليلا، إن الخالق سبحانه قد أبدع هذا كله لخدمة أبناء آدم ممتحنا إياهم بقدرتهم على التأمل والتفكر والاعتبار، أنصحك مجددا أن لا تغب بالصورة عن المصور سبحانه وأن لا تغب بالنعمة عن المنعم سبحانه، وأن تتذكر معي أن التمتع في الصيف بهضامة بيروت نعمة من نعم الله، والتمتع بصبا دمشق نعمة من نعم الله، والتمتع بتفتح دبي نعمة من نعم الله، والتمتع بتقى القاهرة نعمة من نعم الله، والتمتع برشاقة تونس نعمة من نعم الله، والتمتع بذكاء عمان نعمة من نعم الله، وأن تاج هذه النعم كلها هو نعمة الصحة والعافية وقدرتك على السمع والإبصار.
وهكذا تغدو هذه الإجازة خطوة جديدة للتقرب من الملك سبحانه وتعالى الذي منحك إياها بل منحك عمرك كله..
نصائح شبابيةلأحلى أجازة صيفية
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة