الشيطان يشككنى فى عذاب القبر ؟

تنمية بشرية
طبوغرافي

د : محمد حمودة

مقدم برنامج فتاوى الفتح

س: يا شيخنا، أنا قلبى مضطرب دائمًا رغم أننى أحافظ على صلاتي، وأذكاري، وقراءة القرآن إلَّا أننى خائف، ولا يوجد خشوع، والشيطان يشككنى فى عذاب القبر، وكيفية الحساب وبعض الغيبيات، وأنا أخاف على نفسى الفتنة فى القبر، وأريد منكم نصيحة تذكرنى بالله، وتجعلنى على يقين من الغيبيات التى ذكرها الله فى كتابه ووردت فى سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ج: هناك من يعتقد أن عذاب القبر ليس إلا أسطورة من أساطير الأولين، لكن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أثبتت أن عذاب القبر حق على كل عاص، قال الله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}

والمعنى: أن آل فرعون يعرضون على النار فى البرزخ، والبرزخ: المدة الممتدة بين الموت والبعث.. كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]. والمعنى: أن الكفار الذين أعرضوا عن الإيمان بالله إذا ماتوا يتعذبون فى قبورهم.

وعن أبى سعيد الخدرى عن زيد بن ثابت قال أبو سعيد ولم أشهده من النبى صلى الله عليه وسلم ولكن حدثنيه زيد بن ثابت قال: بينما النبى صلى الله عليه وسلم فى حائط لبنى النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به، فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: “مَن يعرف أصحاب هذه الأقبر؟” فقال رجل: أنا، قال: “فمتى مات هؤلاء؟” قال: ماتوا فى الإشراك، فقال: “إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذى أسمع منه”، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: “تعوذوا بالله من عذاب النار”، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: “تعوذوا بالله من عذاب القبر”، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: “تعوذوا بالله من فتنة الدجال”، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.

وعن عليٍّ رضى الله عنه قال: ما زلنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [التكاثر: 1-3]... يعنى فى القبر.

أما بالنسبة للحساب والعرض والجزاء فكل هذا ثابت بالقرآن والسنة، وما ورد عن السلف من إثبات ذلك كثير..

قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 115-118].

وعن عائشة: عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “مَن نُوقِشَ الحساب عُذِّب”. قالت: قلت: أليس يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ قال: “ذلك العرض”.

وإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال؛ لأن الوزن للجزاء، فينبغى أن يكون بعد المحاسبة؛ فإن المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها.

وعن عبد الله بن محمد بن الحارث قال: سمعت إسماعيل بن بشر البلخى يقول: سمعت عبد الله بن محمد العابد يقول: سمعت يونس بن سليمان البلخى يقول: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف، وكان أبوه من الأشراف كثير المال والخدم، فخرج إبراهيم يومًا فى الصيد مع الغلمان والخدم والموكب، فبينا إبراهيم فى عمله ذلك براية وكلاب للصيد وهو على فرسه يركضه إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم، ما هذا العبث؟! أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون! اتق الله، وعليك بالزاد ليوم الفاقة، قال: فنزل عن دابته، ورفض الدنيا وأخذ فى عمل الآخرة.

واعلم أن الشيطان لا يزال بالإنسان يوسوس له، ويشككه فى إيمانه حتى يخرجه منه إلى الكفر والعياذ بالله، ونكون أمام خيارين: إما أن نجارى الشيطان فى سؤاله، ونظل نكرر الإجابة إلى ما لا نهاية، بما يفضى فى حقيقته إلى الإلحاد، وإما أن نقطع وسوسته فى بدئها على صخرة الإيمان بالله.