ظاهرة خطيرة وجريمة شنيعة انتشرت فى بلادنا ونسمعها من شبابنا وأبنائنا تقشعر منها الأبدان وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا إنها سب الدين والعياذ بالله، والشتائم والسباب، واستباحة أعراض الناس، والكارثة أنها أصبحت من الأمور العادية لدى الكثير من الناس، بل أن كثير من الشباب يلجأ إلى مزاح يعتمد على السب والشتم ويعتبرون ذلك معيارًا للصداقة والمحبة.
ويكاد المرء يصدم من هول ما يتلفظ به الكبار والصغار من الفحش ورمى الأمهات بالزنى والعياذ بالله.. تعلموها من البيئة التى يعيشون فيها.. تعلموها ممن هم أكبر منهم سنًا ممن تربوا فى الأسواق التى هى أبغض البقاع وشر الأماكن.. تعلموها من الأولاد الآخرين فى الشارع أو المدرسة.
وحذر العلماء من تجاهل هذا الإثم العظيم، فهو عبء على كل مرب وناصح من المعلمين والمعلمات والآباء والأمهات وعلى العلماء والخطباء وعلى كل مسلم غيور على ربه ودينه أن يقف سدًا منيعًا لمنع هذه الظاهرة من الظهور والانتشار، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، يقول الله سبحانه وتعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}.
يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق:إن الأخلاقيات فى تدهور مستمر فى عالمنا الثالث وبصفة خاصة فى البلدان العربية، وإن الله أرسل لنا الرسول الكريم ليكون لنا قدوة ونموذجًا ومثلاً، وليس مجرد إنسان فقط يبلغ رسالة، يقول الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، لذا كان المطلوب على كل مسلم أن يتأسى برسول الله فى أفعاله وسلوكه فيقول النبى الأكرم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
وأوضح عاشور أن الرسول الكريم طالبنا بحسن الأخلاق حتى يظل الناس على القيم، متحابين وليس بيننا وبين بعض أى بغضاء ، فعندما سأله سائل عن الإيمان قال صلى الله عليه وسلم قال: “اتق الله حيثما كنت. وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن”.
وأشار إلى أن الأخلاق الحسنة تزيد من الصلة بين الأفراد، وحفز الرسول الكريم عليها بقوله: “إن من أحبكم إلى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا” فهكذا جعل الرسول الكريم أصحاب الخلق فى ثانى مرتبة له، مضيفًا من منا لا يريد أن يكون فى منزلة قريبة من الرسول الكريم.
خلق الإسلام
يؤكد د. أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامىأن نبى الإسلام صلى الله عليه وسلم دعا المجتمع المسلم إلى التحلى بخلق الحياء، وهو أن يحفظ الإنسان سمعه وبصره ولسانه، فلا يستمع إلى فُجر أو فُحش، ولاينظر إلى محرم أو شهوة، ولا يتكلم بقبيح أو منكر، وكذلك يحفظ بطنه فلا يدخل إليها حرامًا، ويحفظ يديه ورجليه فلا يمشى إلى رجس، ولايشهد زورًا، ولايعتدى على إنسان، وهكذا يتخلق المسلم بهذا الخلق الكريم الذى اختصه الله تعالى بخلق الإسلام، فعن يزيد بن ركانة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لكل دين خلقًا، وإن خلق الإسلام الحياء”، فالحياء يبعث على فعل الجميل وترك القبيح والحياء كله خير، ولا يأتى إلا بخير، وهو خلق الإسلام، وهو شعبة من شعب الإيمان وما كان الحياء فى شيء إلا زانه وجمّله، وما ترك الحياء شيئًا إلا قبح كما أخبرنا المعصوم صلوات الله تعالى عليه، فعن أنس بن مالك قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما كان الفحش فى شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء فى شيء قط إلا زانه” قال معمر: وبلغنى أن الله يحب الحيىّ الحليم المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء السائل الملحف” وقد وصف ابن حبان رضى الله عنه القحة (ترك الحياء) بأنه أصل الجهل وبذر الشر، ومن لم ينصف الناس منه حياؤه، لم ينصفه منهم قحته، وإذا لزم الوقح البذاء كان وجود الخير منه معدومًا، وتواتر الشر منه موجودًا، لأن الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلها، بقوته يضعف ارتكابه إياها، وبضعف الحياء تقوى مباشرته إياها.
نواقص الإيمان
الدكتور محمد المختار المهدي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر،والرئيس العام للجمعية الشرعية: يعد سب الدين والتطاول بالسب على الله تعالى كفرًا بالله عز وجل فالإنسان يدخل الإسلام بكلمة، وهى لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويخرج منه بكلمة، والقرآن الكريم عبر عن ذلك فى سورة التوبة {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}، إذن فالكلمة تدل على عدم الإيمان بالله تعالى، فسب الله تعالى يخرج من الملة، وعلينا تجاه من يفعل ذلك أن ننبهه إن كان غافلاً، ونعلمه إن كان جاهلاً، فربما كان على غير علم بنواقض الإيمان، ومنها أن يسب الله، وهذا يخرجه من الملة، فإذا تاب وعاد إلى إيمانه عاد إلينا، فالله تعالى غفور رحيم، فما دام أنه مسلم ومعنى أنه مسلم أنه يعترف بأنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا أقل ما نفترضه فى أى مسلم، ومقتضى شهادته تلك ألا يسب الله، وأن يقدسه ويسبحه، وأن يصلى له، فهذه أمور من المعلوم من الدين بالضرورة.
تفلت اللسان
يقول د. زكريا الخطيب بمعهد إعداد الدعاة: إن من الأمراض التى شاعت وعمت بها البلوى وتفشت فى دنيا الناس سلاطة اللسان وتفلته، والتطاول بأفظع الألفاظ.
ويضيف: يستهين الناس بكلمة يقولونها، والرسول الكريم يقول: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوى بها سبعين خريفًا فى النار” (الترمذي)، وتنطلق الألسنة تخوض فى أعراض الناس التى حماها الدين وجعل حفظها من مقاصد الشرع، فالناس مسئولون يوم القيامة عما تنطق به ألسنتهم، وما تخطه أياديهم فى ورقة أو على موقع إلكتروني، فهذا معاذ يسأل رسول الله متعجبًا: يا رسول الله، وإنا لنؤاخذ بما نتكلم به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناسَ على وجوههم فى النار إلا حصائد ألسنتهم”.
ويقول الشيخ محمد عبد القوى، من علماء الأزهر: إن النزاع من أسلحة الشيطان التى يوغر بها صدور الخلائق فيتفرقون بعد اتحاد ويختلفون بعد اتفاق، ويترتب على هذا أن كثيرًا من الناس يسب إخوانه وخصومه بألفاظ مذمومة مما يوغر الصدور وينمى العداوة والبغضاء.
ويضيف: نهى الله فى قرآنه عن التنابز بالألقاب، فقال: {ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} [الحجرات: 11]، والتنابز كما قال عطاء: هو قولك يا كلب، يا حمار، يا خنزير. فإياك والتنابز بالألقاب، فإنه يوغر الصدور، ويسبب التباغض والفرقة والقطيعة، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن احتقار المسلم فقال: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه” رواه البخاري.
ويصف عبدالعزيز عبدالفتاح، باحث فى أحد المراكز الاجتماعية، من ينتهجون هذا الأسلوب من المزاح بالشباب المستهتر ويقول: السبّ حتى لو كان بالمزاح نوع من عدم الحياء من الأبناء ويلحق الأذى بالشباب ويفاقم المشاكل والخلافات ويعمل على هدم التربية الدينية الصحيحة التى تضيع الدين والأخلاق والطباع السوية.
وعن علاج هذه الظاهرة يقول: تقوية مظاهر التربية الإسلامية الصحيحة فى مدارسنا، بالتوجيه والترشيد لتلاميذنا وشبابنا وفق ما تنص عليه الشريعة الإسلامية، وكذلك غرس معانى الإيمان فى نفوس أبنائنا وبناتنا ونعلمهم أن سبّ الدين وشتم الذات الإلهية من نواقض الإيمان.
بذاءة اللسان والتطاول بالألفاظ من أسلحة الشياطين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة