مكاتب للزواج .. والنصب أحيانًا

تنمية بشرية
طبوغرافي

ارتفاع نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج فى الوطن العربى، دفع العديد من الشباب والفتيات للجوء لوسائل مختلفة تساعدهم فى التخلص من هذا الشبح المخيف الذى يحاصرهم ؛ ومن نظرات المجتمع التى تجلدهم،ومن احتياجاتهم النفسية والجسمانية التى تؤرقهم ؛ وهو ما استغله البعض فى الترويج لحل هذه المشكلة بوسائل مختلفة، كان منها ظهور ما يسمى بـ”مكاتب الزواج”.

“السنين تمر ولا تعود فلماذا وضع اليد على الخدود” هذه العبارة تطالعك فى اعلانات تم لصقها فى عربات مترو الانفاق لراغبى الزواج ولم يشأ القدر ان يقابلوا نصيبهم حتى الان ويقدم الاعلان عروضا مغرية للرجال ممن لا يمكلون شقة فهناك آنسات وارامل ومطلقات لديهن سكن كامل للمعيشة والمثير للدهشة انهن سيدات اعمال وطبيبات ومهندسات ايضا هناك فرص للسفر والاقامة وما على الرجل الا ان يساعد بالجهاز.

ليس من السهل اختراق مثل هذه المكاتب- غير الجادة طبعًا- فلها شروط، منها حضور الراغب فى الزواج شخصيًّا إلى المكتب، وإحضار البطاقة الشخصية الأصلية وصور منها، ودفع مبلغ يتراوح ما بين 50 إلى 100 جنيه كدفعة اولية، ثم تقدم استمارة تعارف فيها بيانات شخصية بكل دقة، واسم وعنوان وسن المتقدم للزواج، والمؤهل والوظيفة، ثم خانة المواصفات التى يرغب فى توافرها فى شريكة حياته كالطول والوزن والعمر ولون البشرة وغيره، وعند القبول أو الموافقة على الزواج يتم دفع 400 إلى 500 جنيه من كل طرف على سبيل السمسرة، وكأن المكتب توسط فى بيع سيارة أو شقة، وترفض هذه المكاتب فئتين من الناس، وهما الصحفى وضابط الشرطة، وطبعًا الأسباب معروفة..

ولكنك لن تفلت انت وشريكك ايضا من الحصار الذى فرضه مكتب الزواج عليك بل سيكون معه ارقام تليفونك انت والشريك وسيتم الاتصال بكما بشكل دورى للاطمئنان على علاقتكما الزوجية معا، اما فى حالة فشل العلاقة قبل ان يتم الزواج فسيجبرك المكتب على اختيار شريك اخر من بين طلبات الزواج المتراكمة حتى يتم المراد ومع كل مقابلة لابد ان تدفع للمكتب حفنة جنيهات بخلاف المائة جنيه الاولى.

وعن اعمار المتقدمين بالنسبة للذكور يتراوح ما بين 19 الى 91 عاما بينما يتراوح عمر الاناث ما بين 16 الى 80 عاما، مع العلم ان الفتيات يفضلن الزواج المبكر خوفا من شبح العنوسه الذى يطارد الكثير من بنات جنسهن، اما الكبار فى السن فيفكرون فى الزواج بسبب الخوف من الوحدة والاحتياج الى من يؤنس وحدتهم خاصة بعد انشغال ابائهم فى دوامة الحياة، والخوف من دار المسنين التى قد تكون نهاية للكثير منهم.

يقدر عدد المكاتب حاليًا بأكثر من 125 مكتبًا، يسدد كل راغب فى تسجيل اسمه بها رسومًا قيمتها 500 جنيه مصرى ، وتعتمد كثير من هذه المكاتب على ما يُطلق عليه الزواج الإلكتروني، ولكن من الملاحظ بل والمؤكد أنه لا يوجد رقابةٌ أو متابعةٌ من قبل هذه الجهات لهذه المكاتب؛ حيث تنتهى المهمة بانتهاء التصريح لها بمزاولة نشاطها.

قامت احدى الباحثات بإجراء دراسة أكاديمية للحصول على درجة الماجستير عن “تقييم مكاتب تزويج الأشخاص”، تابعت مكتبين فى مصر أحدهما فى حى “الجيزة”، والآخر فى حى “مصر الجديدة”، وخلصت إلى أن هذه المكاتب حققت نجاحاً محدوداً فى البداية، إلا أن الزوجين بعد ذلك صادفا عدة مشكلات وعقبات؛ لأن مدة التعارف بينهما كانت “محدودة”، كما أن أصحاب هذه المكاتب قد يستغلون الفتيات فى أعمال منافية للآداب، وغير مشروعة، أو يحاول إقناع الشباب بالزواج من سيدات تكبرهن فى السن مقابل الإنفاق عليهم ماديًّا فيما أطلق عليه ظاهرة “بغاء الذكور”؛ لأن الرجل فى هذه الحالة يبيع جسده مثل المرأة.

وتؤكد د. سامية خضر استاذ علم الاجتماع بآداب عين شمس، أن الزواج بهذه الطريقة عملية تجارية لا تمت للعلاقات الاجتماعية، فنحن بصدد مشكلة كبيرة فى المجتمع رغم الانفتاح الرهيب فى العلاقات بين الجنسين، الا ان هناك عدم شعور بالامان فعندما يفكر شاب فى الزواج فهو يرتبط بفتاة لا يعرفها ويطلب من اسرته البحث عن شريكة حياته، والزواج من هذه الشركات امر غريب وشاذ على مجتمعنا، ولذلك فإننى لا اؤيد الزواج بهذه الطريقة لان هذا الاسلوب يعيدنا الى عصر الجوارى والعبيد.

يذكر ان صاحب اول مكتب للزواج فى مصر والشرق الاوسط هو الوليد العادل استاذ الادب الانجليزى بجامعة كالفورنيا بالولايات المتحدة الامريكية، وقد تولدت الفكرة لديه بعد مروره بتجربة زواج فاشلة انتهت بالطلاق، وقضائه اعواما يبحث عن شريكة حياته، وعندما اتضحت ملامح الفكرة لديه فتح مكتبا قانونيا هدفه التوفيق بين راسين فى الحلال

وهكذا جاءت “ مكاتب الزواج” على الطريقة الحديثة لتحل محل “ الخاطبة” على الطريقة القديمة، ولكن بشكل اكبر يتمثل فى بعض الاحيان الى نوع من الاستغلال للشباب ولظروفهم خاصة ان هذه المكاتب درست جيدا مشكلات الشباب والفتيات من العزوبية والعنوسة، فأنشأوا هذه المكاتب بغرض الربح على حساب قلوب ترغب فى الزواج.