الدكتور/ خالد جوهر محاضر دولى
وخبير فى التنمية البشرية
إذا كانت الإدارة فى حقيقتها هى فن إدارة الآخرين لتحقيق هدف معين، فإن مناط نجاحها هو التعامل الأمثل مع هؤلاء البشر.
ومن ثم يصبح من المسلّمات لكل من يتولى مهمة الإدارة أو يتصدى لقيادة الآخرين أن يجيد هذا الفن، لأنه سيواجه أصنافًا من البشر تختلف عن بعضها فى الأمزجة والميول والمشارب والاتجاهات.
وإذا تأملنا هذه الصفة فى سيد الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- وجدناها جلية واضحة: يقول الإمام البخارى: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته خديجة- رضى الله عنها- فقال: “زملونى” فزملوه حتى ذهب عنه الفزع. ثم قال لخديجة: “لقد خشيتُ على نفسى”. فقالت السيدة خديجة رضى الله عنها: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
مكانة فى قلوب الناس: ولعل ما وصفته السيدة خديجة- رضى الله عنها- زوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- به يمثل منهجًا أخلاقيًا، يدعو الناس إلى اتباعه واقتفائه، وعندها يصبح لهم فى قلوب الناس مكانة، وهو-أيضًا- تربية اجتماعية؛ تعين على الاحتكاك بالآخرين وملاصقتهم ومخالطتهم.. كل هذا جعل منه صلى الله عليه وسلم شخصية مجتمعية، يطمئن إليها الناس، ويرتوون من عذب حديثها.
صلة الرحم: فهو يصل رحمه.. فليست الوشائج بينه وبين ذويه مقطوعة، إنما هو قلب رحيم عطوف يتأمل قول ربه عز وجل: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].
بذل المعروف: وهو يحمل الكل ويكسب المعدوم.. وفى هاتين الصفتين إشارة إلى ما ينبغى أن يتمتع به من يدير الآخرين ويريد أن يكسب حبهم؛ من عاطفة جياشة تجعله يسعى إلى خدمتهم والسهر على راحتهم والمسارعة فى بذل الخير لهم.. ولا يدخر مثقال حبة من خردل من جهده وسعته، مخففًا عنهم متاعبهم ومعينًا لهم على حل مشكلاتهم.
إكرام الضيف: وهو يقرى الضيف؛ فعلى للانسان أن يكون جوادًا كريمًا كما يحسن استقبال الضيوف، متمثلا قول إبراهيم- عليه السلام- فى القرآن الكريم: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ , إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ , فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات: 24-26]. وعن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه “ [متفق عليه].
حسن الاستقبال:
من السلوكيات الأساسية فى إثراء العلاقة بينك وبين الآخرين، فقد فرح النبى- صلى الله عليه وسلم- بقدوم جعفر من الحبشة فرحًا عظيمًا، واحتضنه وقبَّله بين عينيه وقال: “ما أدرى بأيهما أُسَرّ؛ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر “، وقال فى البشاشة: “ تبسمك فى وجه أخيك صدقة “.
الرفق والرحمة: وصفه عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما-: “ إنه ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب فى الأسواق، ولا يجزى السيئة بالسيئة “
والإنسان المحروم من الرحمة غليظ القلب سيئ الأسلوب لا يجيد حسن التحدث، ولا يستعمل الموعظة الحسنة والحكمة البليغة، ولا
ينجح فى عمله، ولا يدنو المرؤوسون منه، بل يبتعدون عنه ولا يقربونه وإن كان ما يقوله حقًا وصدقًا.
مراعاة الحال فى المعاملة: فقد كان يعامل كل شخص حسب تفكيره ومداخله، فقد جاءه رجل يطلب صدقة فأعطاه النبى غنمًا كثيرة تملأ ما بين جبلين، فرجع الرجل إلى قومه فرحًا سعيدًا بهذا العطاء الكبير، ودعا قومه إلى الإسلام، وأخبرهم عن سخاء النبي- صلى الله عليه وسلم-، وغزارة جوده وكرمه فهو يعطى عطاء من لا يخاف الفقر أو الحاجة.
وقد أثمرت هذه العلاقات الطيبة حبا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما روى فى مقتل زيد بن الدثنة- رضى الله عنه- ما يؤكد ذلك عندما قال له أبو سفيان- حين قدم ليقتل: أنشدك بالله- يا زيد- أتحب أن محمدًا الآن مكانك نضرب عنقه، وأنك فى أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإنى جالس فى أهلى! فقال أبو سفيان: “ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا “.
مهارة بناء العلاقات مع الآخرين .. من سيرة سيد المرسلين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة