الرجل المؤمن الصالح يغمر زوجته بكلماته الرقيقة، وأحاسيسه الصادقة، وكلمه الطيب

تنمية بشرية
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

ﻋَﻦْ ﻋﺪِﻱِّ ﺑﻦ ﺣَﺎﺗﻢٍ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠَّﻪ - ﺻَﻠّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭﺳَﻠَّﻢ- : ((ﺍﺗَّﻘُﻮﺍ ﺍﻟﻨَّﺎﺭَ ﻭَﻟَﻮْ ﺑِﺸِﻖِّ ﺗَﻤْﺮَﺓٍ، ﻓَﻤَﻦْ ﻟَﻢْ ﻳﺠﺪْ ﻓَﺒِﻜَﻠِﻤَﺔٍ ﻃَﻴِّﺒَﺔٍ)) [ﻣﺘﻔﻖٌ ﻋﻠﻴﻪ].
ﻭﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻋﻨﻪ - ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻَﻠّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭﺳَﻠَّﻢ - ﻗﺎﻝ: ((ﻭﺍﻟﻜﻠِﻤﺔُ ﺍﻟﻄَّﻴِّﺒَﺔُ ﺻﺪَﻗَﺔٌ)) [ﻣﺘﻔﻖٌ ﻋﻠﻴﻪ].
وأولى الناس بهذا زوجتك التى جعلها الله لك سكنا تعينك على طاعته، وتحضك على الاستقامة على طريق الهدى.

ولنا فى بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، لقد كانت بيوت النبى صلى الله عليه وسلم ينبع منها طيب الكلام

ومودة القلوب، وأنوار المعاملة الحسنة.

فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمع: ((كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل

الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق)).

بهذه الكلمات العظيمة ثبتت أم المؤمنين خديجة قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حدثها بشأن المَلك الذى نزل عليه بغار

حراء، حيث قال لها معبرًا عن خشيته: ((لقد خشيتُ على نفسي)).

أى وقع لهذه الكلمات، وأى ثمر يانع، وأى ظل ظليل تنشره فى هجير الحياة .

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب الكلام منير الوجه والضمير، تنبع من كفيه الرحمة الغامرة لزوجاته رضى الله عنهن .

تحكى لنا السيدة عائشة – رضى الله عنها – فيما يرويه عطاء رحمه الله قائلا: دخلت على عائشة فقلت لها: أخبرينا بأعجب ما رأيت

من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت: وأى شأنه لم يكن عجبا؟ أتانى ليلة فدخل معى فى فراشى - أو قالت: فى

لحافى - حتى مس جلدى جلده ثم قال ((يا ابنة أبى بكر ذرينى أتعبد لربي)) فقالت: قلت إنى أحب قربك، لكنى أوثر هواك فأذنت

له، فقام إلى قربة ماء فتوضأ فلم يكثر صب الماء، ثم قام يصلى فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد

فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك يبكى حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم

من ذنبك وما تأخر؟ قال ((أفلا أكون عبدا شكورا ولم لا أفعل ذلك وقد أنزل الله تعالى على { إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ

اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِى الْأَلْبَابِ }[آل عمران: 190 ])) (رواه ابن حبان فى صحيحه).

فما أطيب كلمات السيدة عائشة رضى الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنى أحب قربك، لكنى أوثر هواك) يا لها من

كلمة عظيمة وطيبة، لقد عبرت للنبى صلى الله عليه وسلم عن الحب العظيم الذى ينطوى عليه قلبها الطاهر، ولكن هذا الحب ليس

حبًّا عاديا، ولكنها من شدة محبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم تؤثر هوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هواها فى قربه

.
ثم تأمل قول السيدة عائشة رضى الله عنها الصديقة بنت الصديق لما رأت دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم تأمل قولها وكلماتها

الودود لرسول الله صلى الله عليه وسلم :

(يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟).

لقد نادته بهذه الكلمة الطيبة التى تدل على المحبة والإجلال: يا رسول الله، ما يبكيك، هذا السؤال الذى يدل على المشاركة

الوجدانية، ثم تذكره بمكانته صلى الله عليه وسلم عند الله سبحانه بأنه المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

ولكن لا تعجب من زوجات تربين فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد كان هذا الكلم الطيب والأحاسيس الفياضة والإيمان

الراسخ ثمرة من ثمرات بيت النبوة .
قالت السيدة عائشة - رضى الله عنها -

: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خَلا فى بيتِه أليَنَ الناس بسَّامًا ضَحاكًا،

وقالت: ما ضرَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة له ولا خادِمًا قط))؛ [رواه النسائى].

وسُئلت عما كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصنَع فى أهلِه، قالت: ((كان فى مِهنَة أهلِه فإذا حضَرت الصلاة قام إلى الصلاة))؛ رواه البخاري، وقالت: ((كان أليَنَ الناس، وأكرَم الناس، وكان رجلاً مِن رجالكم إلا أنه كان بسامًا)) [رواه ابن سعد].
 وفى الصحيحَين عنها – رضى الله عنها - قالت: قال لى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((إنى لأعلَم إذا كنتِ راضيةً عنِّى وإذا كنتِ على غضْبَى))، فقلت: مِن أين تَعرِف ذلك؟ قال: ((أما إذا كنتِ عنى راضيةً، فإنك تقولين: لا وربِّ محمد، وإذا كنتِ غضبى قلتِ: لا وربِّ إبراهيم)) قلت: أجلْ والله يا رسول الله، ما أَهجُر إلا اسمَك.
وانظر إلى قول السيدة عائشة رضى الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما أَهجُر إلا اسمَك)) فى دلالة على دوام المحبة وعظمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
 وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول للسيدة عائشة رضى الله عنها: ((كنتُ لكِ كأبى زَرعٍ لأمِّ زرع، غير أنى لا أُطلِّقك)) [متفق عليه].
ومما يَنطِق بلينِ جانبِه، وخَفضِ جَناحه، وحسنِ أدبه مع زوجاته - عليه الصلاة والسلام -: استِشارة زوجِه أمِّ سلمة - رضى الله تعالى

عنها - فى أمر مِن أهمِّ أمور المسلمين يوم الحُديبيَة؛ فقد عاهَد النبى - صلى الله عليه وسلم - المشركين على تركِ القتال عشر

سِنين، ووافقَهم على شروطٍ ظاهِرها فيه الإجحاف بالمسلمين، فكَرِهَ ذلك أصحابه، وأبَوا أن يَتحلَّلوا بالحَلْقِ أو التقصير من إحرامهم

بالعمرة ليعودوا إلى المدينة، وخالَفوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يُنفِّذه واحد منهم، ولم يَحصُل مثل ذلك مِن قبْل ولا

مِن بعد، فأحزنَه ذلك، وشقَّ عليه، فذهب إلى أمِّ سلمة يَستشيرُها، فقال: ((هلك الناس))، فأشارَت عليه بأن يَخرج إليهم ويَحلِق

رأسه، فعند ذلك يُسرعون إلى حلقِ رؤوسهم، وقد أصابَت فى قولِها، فإنهم سارَعوا إلى طاعته، وامتثَلوا أمر نبيِّهم واعتَذروا عما كان

منهم، وفى هذا دليل على أنه يرى للرجل أن يَستشير أهله ليَستطلِع ما عندهم مِن حلِّ ما تعقَّد مِن الأمور، وهذا مِن سماحَة

أخلاقه وشريعته - عليه الصلاة والسلام.
ومِن رحمته ورقَّة إحساسِه ملاحَظة شعور زوجاته، وعدم استهانتِه بآلامهن؛ فقد مرَّ بلال - رضى الله عنه - بصفيَّة بنت حُيِّى زوجه -

عليه السلام - وابنةِ عمٍّ لها على قَتلى اليهود، فصكَّت ابنة عمِّها وجهَها وحثَت عليه التراب وهى تصيح وتَبكي، فقال النبى - صلى

الله عليه وسلم – ((أُنزِعت الرحمَة مِن قلبِك حين تمرّ بالمرأتَين على قتلاهما؟!))؛ [رواه ابن إسحاق].  فانظر إليه - صلوات الله

وسلامه عليه - كيف ضرَب المثل الأعلى بنفسه فى حُسنِ معامَلة أهله فى حال صحَّته ومرَضِه وإقامتِه وسفره، وتأمل فى طيب

كلام أمهات المؤمنين فى بيت تغمره أنوار النبوة، إنها المدرسة التى نحتاج أن نتعلم فى رحابها ونستقى من أنهارها، اللهم ارزقنا طيب الكلام، وصلة الأرحام، والإحسان إلى أهلينا فى الأفعال والأقوال إنك نعم المولى ونعم النصير.