أنين فى صمت لا أحد يُشعر به يعشنه «عانسات» فى العالم العربي.. لا ذنب لهن سوى أن قطار الزواج لم يقف عند المحطّة الموعودة، فلا هن ظفرن بتمر شريك يقاسمهن رحلة الحياة، ولا عنب رحمة المجتمع الذى لم يتردّد فى ملاحقتهن بالأعين والألسنة التى لا ترحم ما عبّأ العيون والأفئدة أرق لا يعرف الهدوء إليه طريقاً.
وما بين دعوات إلى تغيير جذرى فى تقاليد الزواج أملاً فى كبح شبح العنوسة، وإيجاد منظومة اجتماعية جديدة تعالج أسباب العزوف عن الزواج، ومعالجة تفشى بطالة الشباب، تعدّدت نداءات المعالجة لأزمة أعيت الطبيب المداوي.
هل أصبحتُ عانسا؟» سؤالٌ ربما تردده كل فتاة تخطت عتبة 30 عاماً، لاسيّما مع ملاحقة العيون والألسن لها، متسائلةً عن سبب تأخّر زواجها حتى هذه السن، متوجهة إلى الله بالدعاء كى يُعجل لها بـ «ابن الحلال». وعلى الرغم من عزوف بعض الفتيات عن الزواج بمحض إرادتهن خوفًا من الفشل، أو رغبة الفتاة فى الاستقلال بحياتها وإقناع نفسها بأنّها ليست بحاجة لشخص تتحمّل مسئوليته ويتحكم فى حياتها.
وفقا لما تراه من الزيجات المحيطة بها، رافضةً المثل الشعبى القائل: «ضل راجل ولا ضل حيطة» إلّا أن لقب «عانس» سيظل ملتصقاً بها، فيما على النقيض هناك بعض الفتيات اللاتى تهربن من هذا اللقب بزيجة غير متكافئة من الناحية الاجتماعية والتعليمية، أو يكون الحل أن تقبل بلقب الزوجة الثانية ليبدأ «مسلسل التنازلات».
وحسب آخر الإحصائيات والدراسات التى أجريت فى مصر، فإنّ نحو 8 ملايين فتاة يُطاردها شبح العنوسة الآن، الأمر الذى جعل من العنوسة ظاهرة مُجتمعية ارتبطت فى الأذهان بالعديد من الأسباب، أبرزها الأسباب الاقتصادية الخاصة بارتفاع تكاليف الزواج، فضلاً عن الأسباب المُجتمعية الأخرى، ما دفع تعداد العنوسة فى مصر إلى الزيادة من أن لآخر وليس فقط على صعيد الفتيات، بل لدى الشباب أيضًا.
وتلقى أستاذة علم النفس الاجتماعى د. عزة كريم بمسؤولية تأخّر سن الزواج على عاتق الدولة التى رفعت يدها تماما عن أية مساعدة أو مساندة للشباب، لافتة إلى أن أسعار الشقق ومستلزمات الزواج باتت باهظة حتى فى الضروريات»، مضيفةً أن «بعض الشباب يعانى البطالة رغم كبر سنه، ولا يستطيع تحمل مسؤوليته الشخصية، فكيف يستطيع تحمّل مسؤولية بيت وزوجة وأولاد؟!»، مستنكرة اتهام المجتمع للفتاة بأنّها السبب فى تأخّر زواجها.
وترفض كريم أن «يكون حل مشكلة تأخّر سن الزواج لدى الفتيات بقيام الرجل المقتدر ماديا على الزواج مرة ثانية» لافتةً إلى أن الزواج الثانى لا يحل المشكلة بل على العكس أثبتت الإحصائيات ارتفاع نسبة الطلاق فى مثل هذه الحالات»، مشيرةً إلى قبول بعض الفتيات الزواج ممن هو لا يناسبها اجتماعيا وثقافيا لكونه مقتدرا ماديا، فتكون النتيجة الطلاق.
وتسلّط كريم بقعة الضوء على الفتيات اللاتى يُفضلن العنوسة على الزيجة المحكوم عليها بالفشل ومن ثم الطلاق، بأن «لديـهن وعى جعلهن يلتفتن إلى استكمال حياتهن، وألّا يُشكّل هذا الموضوع عقبة أمام استمرار حياتهن، لذلك ينظرن إلى مستقبلهن المهنى أو التعليمى باستكمال الدراسات العليا.
وترى أن الحل يكمن فى إتاحة فرص عمل مقبولة للشباب وإقامة مشروعات صغيرة لهم تساعدهم على تحسين مداخيلهم وتوفير شقق لهم بالتقسيط المريح وعلى الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى إنشاء صناديق اجتماعية تساعد الشباب على تحمل نفقات الزواج.
وتؤكّد أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، د. سعاد صالح، أن الإسلام تناول قضية الزواج بشكلٍ مفصَّل، فالزواج هو سُنة الحياة، فقد قال الرسول الكريم مخاطبا الشباب: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، لافتةً إلى أن مغالاة الأهل سبب فى استشراء ظاهرة العنوسة بين الفتيات، غير عابئين بأنّ الشاب على خلق ومتدين وسيصون الفتاة مشيرة إلى أن الفتاة نفسها ربما السبب أيضا فى هذه المغالاة، فهى لا تُريد أن تكون أقل من فلانة صديقتها أو قريبتها فتتشبث بمطالب يمكن الاستغناء عنها.
يرى د. عبد الفتاح إدريس أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن الموروث الثقافى والاجتماعى ألقى بظلاله الكثيفة على أفئدة الناس وعقولهم ردحا كبيرا من الزمن هو سبب ما نعانيه اليوم فى كثير من أنماط حياتنا الاجتماعية ومن بين هذا الموروث الإصرار على شروط معينة فيمن تختار زوجاً أو يختار زوجة له وهذه الاختيارات والشروط بعيدة كل البعد عن منهج الإسلام لأن الإسلام لم يشترط إلا الدين فيمن يريد الزواج أو من يراد الزواج بها، فالقوم تنكبوا على هذا الهدى الإلهى فكانت النتيجة زيادة نسبة العنوسة بين الفتيات وتقدم سن الزواج إلى ما بعد الثلاثين فى حق الذكور وهذا أمر غير محمود وقد نجم عن ذلك مفاسد ليست خافية على أحد.
ويؤكد على أن الحل ليس فى تعدد الزوجات.. فإذا كان الشاب عاجزا عن الزواج بواحدة فكيف يستطيع الزواج بأكثر من واحدة إلا أن تكون العلاقة بينه وبين زوجاته- إذا أقدم على ذلك- علاقة شهوانية من أولها إلى آخرها لا تحقق مقصود الشرع من النكاح، وإذا نظرنا إلى شروط التعدد كما وردت فى نصوص الشرع فإن من بين هذه الشروط القدرة على مؤن النكاح وأن يكون الرجل لديه القدرة على الإنفاق على الذرية من الزوجات المتعددات وقادرا على العدل المادى بين زوجاته وأن يتيقن من نفسه أنه لا يظلم زوجة منهن على حساب الأخرى.
ولكى نتغلب على العنوسة قال د. إدريس إنه لا ينبغى أن ننظر إلى العلاقة الزوجية على أنها صفقة تجارية لأن الله أراد لها أن تكون سكنا ومودة وصهرا ورحمة ولهذا يقول الحق سبحانه وقد عبر الله عن هذه العلاقة أنها آية أى نعمة كبيرة من نعم الله تعالى على الخلق ولكن الناس تركوا هذه النعمة ليبحثوا من ورائها عن الصفقات المادية ولهذا صار الزواج فى زماننا هذا أكثره صفقات وهذا بعيد كل البعد عن غاية الشارع من هذه العلاقة الإنسانية.
* د. آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر تؤكد أن العنوسة لها أسباب أبعد من ذلك فى مقدمتها أن أهل الفتاة يغالون فيمن يتقدم لابنتهم وكأنها صفقة تجارية تحت مفهوم «ابنتنا وتعبنا فيها» ويشترطون شبكة بالآلاف وشقة بمئات الآلاف وجهازاً وأثاثاً وأدوات كهربائية مما يقف الشاب معه عاجزا عن تحقيق كل هذا فيفضل أن يعيش أعزب وعانسا، كما أن الدولة مسئولة عن استفحال ظاهرة العنوسة فكيف يستطيع الشاب الزواج وهو عاطل وبدون عمل أو يعمل وليس معه ما يشترى به شقة ومستلزمات الزواج.
وأكدت أن الحل يكمن فى تيسير المهور والرضاء بمسكن زوجى بسيط مثلما يفعل الغرب فلو التزمنا بالبساطة سوف يعيش الزوجان حياة سعيدة مستقرة.. أما إذا تطلع أهل الفتاة إلى أكثر من ذلك سوف تكون النتيجة عكسية.
وأشارت إلى أن التعدد سوف يعقد الأمور أكثر مما هى معقدة.. وعلى أصحاب العقول المتطرفة ألا يعتبروا الزواج وكأنه أوكازيون يشترون الفتاة بسعر زهيد تحت مفهوم أنه يتستر عليها ويتزوجها ثم تكتشف أنها خادمة لزوجاته الأخريات.
وقالت: أن هذه الفكرة أو الدعوة إليها على المواقع الإلكترونية فيها بلاهة وأنانية وعدم احترام للمرأة وإهانة لكرامتها.. وحذرت أى فتاة أن تقبل بهذا الأمر لأنها سوف تجد نفسها أمام مجموعة ضرائر وأشقاء أعداء فالشرع عندما أباح تعدد الزوجات أباحه بضوابط وشروط لا تتوافر فى رجال وشباب هذه الأيام.
تأخر الزواج..أنين المرأة العربية الصامت
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة