فصل الخطاب: الحوار من لوازم الحياة

تنمية بشرية
طبوغرافي

بقلم : د. محمد الشوبكى

المتخصص في الحوار القرآني

محمد الشوبكي

خلق الله تعالى الإنسان تواقا إلى التواصل مع من حوله، والتفاعل مع بنى جنسه، وإذا كانت العلة والهدف من تنوع الخلق هو التعارف والتعايش والتفاهم تحقيقا لسنة الله فى التدافع والتكاثر والتنامي- الذى لا يمكن أن يكون إلا بالتنوع- فإن الحوار بأشكاله ومسمياته ومصطلحاته المتعددة يصبح من لوازم الحياة وضمان استمرارها.

فالحوار ظاهرة إنسانية مرتبطة بوحى العقل وإلهامه، وراجعة فى نشأتها إلى طبيعة الإنسان المفكرة الناطقة، فهو يؤمن بفكرة معينة فيعرضها ويوضح أهدافها ويدافع عنها، فإذا خالفه فى الرأى أحد ما من البشر استجمع أفكاره وقدمها عن طريق حوار يبعث إلى إشغال الذهن وإعمال الفكر ليضيف إلى عقولنا معلومات جديدة ، وليفتح أمام أهل العلم آفاقا واسعة فى المعرفة.

ومنطلق مبدأ الحوار إنما يكون من الإيمان ابتداءً بالحرية والاختيار الإنسانى فى الوجهة والاعتقاد والإقتناع بأن التنوع حقيقة وواقع، وأن الاختلاف - لا الخلاف - حق من حقوق الإنسان وكرامته، وأن الحوار لا يعنى ولا يطلب منه إلغاء التنوع ومصادرة حق الاختلاف وإكراه الناس على ما لا يختارون.

وفى كتاب الله المعجز نجد أنه ليس من متطلبات الحوار الإقرار بحرية الطرف الآخر فى التفكير فقط، بل إفساح المجال له لعرض حجته فقد أفسح القرآن فى قصصه للخصوم أن يعبروا عن آرائهم، حيث سجل القرآن فى حواراته مقولات هؤلاء المعاندين الطاغين، وعقب عليها بأقوال أنصار الحق وليس أدل على ذلك من عرض أفكار إبليس بعد امتناعه عن السجود لآدم.

وأثناء الحوار لا يقتصر كل واحد من المشتركين فيه على عرض الأفكار القديمة التى يؤمن بها، وإنما يقوم بتوليد الأفكار فى ذهنه، ويعمد إلى توضيح المعانى المتوالدة من خلال عرض الفكرة وتأطيرها وتقديمها بأسلوب علمى مقنع للطرف الآخر، بحيث يظل العقل واعيًا طوال فترة المحاورة ليستطيع إصدار الحكم عليها سلبًا أو إيجابًا.

فالحوار العاقل هو الذى يقوم على أساس راسخ ويهدف إلى غاية نبيلة هى القبول بمبدأ المراجعة الذى يتجاوز الرجوع عن الخطأ إلى مراجعة الموقف برمته إذا اقتضت لوازم الحقيقة هذه المراجعة وصولا إلى جلاء الحق وتوضيح الحقيقة.