الشوق إلى الله رب العالمين و تذكر الموت أهم صفات العابدت

تنمية بشرية
طبوغرافي

إذا تكلمنا عن الصحابيات رضى الله تعالى عنهن، وعن أمهات المؤمنين، فإننا نبحر في بحر عميق لا شاطئ له، ولا أخفيكم سرًا.. حاولنا سرد كل الصحابيات أو نساء النبى صلى الله عليه وسلم فوجدت أن القائمة مليئة بهؤلاء الذين ادخروا حياتهن كلها لله رب العالمين. السيدة خديجة رضى الله عنها، وأم سلمة، والسيدة عائشة، والسيدة جويرية، والسيدة فاطمة الزهراء، رضى الله تعالى عنهن جميعا.

كثيرًا منهن تأثرت بهن فى حياتي، وكثيرًا منهن أتحدث عنهن لأول مرة.. وسنتكلم هنا عن نوعية استطاعت أن تكسر حواجز كثيرة ( الدنيا، الكسل، النوم ، الراحة، البخل..) فالعابدات رضى الله تعالى عنهن استطعن أن يتغلبن على هذه الحواجز.

وليس التميز فى العبادة أن يغلق الإنسان على نفسه الباب ويظل ساجدًا، أو راكعًا طوال الليل. ولكن كيف تنتصر المرأة المسلمة على ظروف الحياة، وعلى مشاكلها، وتستطيع أن تستقطع جزءًا من ليلها لله، وجزءًا من نهارها لله؟.

العبادة لذة جميلة وجنة. وكما قال بعض العلماء: (لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف).

ومعنا النموذج الأول: أم الإمام أبو حنيفة النعمان، وهذه المرأة الصماء البكماء العمياء القعيدة. عندما يمر الرجل على بستان، ويمسك بالتفاحة ويأكل نصفها، وكان عابر سبيل واشتد به الجوع. فرأى تفاحة ملقاة على الأرض فأكل نصفها ثم تذكر أنها ليست له. فأخذها وذهب إلى البستانى فقال: يا رجل كنت جوعانًا فأكلت أتسامحنى فيها؟.

أتسامحنى فى نصف التفاحة، وخذ أنت النصف الآخر. فقال: لا أملك أنا أعمل فى هذا البستان، ولست صاحب قرار، فقال: من صاحب القرار، قال: هيا بنا إلى صاحب الحديقة. فذهبا إلى صاحب الحديقة فأطرقا عليه الباب ففتح لهم الباب فقص عليه القصة فسر الرجل بما فعل هذا الشاب الزاهد الورع فقال: سأسامحك، وأزوجك ابنتي، لكنها صماء بكماء عمياء قعيدة، فقال له إنى أوافق على هذا على أن تسامحنى على نصف التفاحة. قال: فلما تجهزنا للزواج دخلت عليها فوقفت فعلمت أنها ليست قعيدة، فألقيت عليها السلام فردت على السلام فعلمت أنها تسمع، وأنها تتكلم، ورأيتها تبصر بعينيها، فإذا هى ليس كما قال أبوها، فقلت لها..

قال أبوك أنك صماء بكماء عمياء قعيدة. قالت له نعم صدق أبي. إننى عمياء عن الحرام!. فالمرأة المسلمة لا تنظر إلى حرام. إننى خرساء لا أسمع إلا كل خير.. إننى بكماء لا أتكلم إلا بكل خير. إننى قعيدة عن كل حرام. لا أتحرك أبدًا إلا إلى الحلال.

إنها بكماء صماء عمياء قعيدة عن كل ما يغضب الملك قال فدخلت بها. ولم تنته القصة هكذا، بل أنجبا رجلاً بورعهما وبأدبهما وبزهدهما.. وأنجبا رجلاً غير مجرى التاريخ، وقد كان من ثمرة هذا الزواج الإمام أبو حنيفة النعمان.

وهكذا فإن أم أبى حنيفة النعمان كانت صماء بكماء عمياء قعيدة، لكن الكلام له معانٍ أخرى، معان جميلة، ننتصح بهؤلاء، وننتصح أن نجعل جوارحنا لا تنهمس بالحرام، أو تنشغل بها. إنها مرحلة الأنس بالله عز وجل وهى حال هؤلاء الرجل الورع لا يكمل التفاحة، وكان جوعانًا، ويذهب، ليعتذر.

النموذج الثانى: زوجة سيدنا عمر بن عبد العزيز وهى أميرة بنت أميرة ، زوجة سيدنا عمر بن عبد العزيز، وكانت تنغمس فى أبهة الدولة، والسيادة، والحكم. ورغم هذا تعيش زاهدة، وتموت زاهدة خلف إمامٍ عادل زاهد. وكانت رضى الله عنها لا تحب أن تشبع من الدنيا هذا لعمرى هو الفوز العظيم.

النموذج الثالث: أم الصهباء.. معاذة بنت عبد الله العدوية.. وكانت رضى الله عنها تصلى فى اليوم، والليلة ستمائة ركعة!.، وتختم القرآن وهى تصلي. وكانت حافظة للقرآن منذ كان عمرها تسع سنوات وتحيا على هذه الحال ستمائة ركعة ومعظمها فى الليل. متى تنام؟. كيف تنام؟. ما هذه الهمة العالية؟

أم الصهباء، نموذج متميز للمرأة المسلمة. أم الصهباء يموت زوجها أبو الصهباء شهيدا أمامها فى سبيل الله، فماذا عساها أن تفعل ؟.ثم يستشهد أولادها أمامها ؟!.{فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}[آل عمران:146].أم الصهباء هذه السيدة معاذة رضى الله تعالى عنها بنت عبد الله العدوية، وهى على هذه الحالة أصبحت حياتها كلها خالصة لله عز وجل.. انزوت عن الدنيا، وانزوت الدنيا عنها. تعيش فى حالة جهادٍ مع النفس، وقوة ويقين، تصلى ثم يضعف بدنها تقوم تتحرك فى البيت لكى تبقى يقظة كى تؤدى أورادها وأذكارها.

أم الصهباء ذات ليلة انتهت من أذكارها، وأورادها، وصلاتها، وجلست، وهى مريضة متعبة، واجتمعت النسوة حولها، لعلها تنتظر ملك الموت، وفجأة تستغرق فى بكاء، وفجأة تضحك، سألها أهلها ماذا بك أم الصهباء؟ قالت بكيت لأنني تذكرت الصلاة والصيام، والذكر والقرآن، وإننى سأغادر هذه الدنيا، وددت لأبقى كى أستمر فى الطاعة لأن الطاعة زادي.

وقالت ضحكت لأننى رأيت أبا الصهباء، وقد مات شهيدًا، ويلبس ثوبين خضراوين، وحوله رجالٌ عظام، ولم أرَ مثلهم قط، وجدت شيئًا ليس له نهاية، وأبو الصهباء زوجها الشهيد، يتقدم هؤلاء الصنف من الناس، وامتلأ المكان بهم وهو يتقدمهم، فضحكت يا أبا الصهباء فأشار إليها أى أتى الموعد إنى أنتظرك، وانصرف هكذا وحوله رجال عظام، وخلق عظام، فضحكت وقالت: لن أدرك صلاة فرض بعد هذا، بعدها شهقت شهقة الشوق فماتت .رحمة الله عليها.