الثبات على الحقّ

تنمية بشرية
طبوغرافي

دكتورة زينب طلعت

إن كثيرًا من الشباب المبدعين فرضوا أنفسهم فى مجالات عدة ولديهم طاقات تفرض نفسها مهما كان المناخ المحيط بهم، فالمهم أن يكون الانسان واثقًا بالله ثم بنفسه، فلا يهتز ولا يرضخ لأية مخاوف، ولا يسقط فى فخ الغرور، ولا ينظر لغيره بأنه أقل منه، مما يجعله يحفر "قبر نجاحه" بيده، فالكثير من الناس يتعرضون إلى سلوكيات مزعجة ومؤذية من الآخرين؛ نتيجة نجاحهم أو تميزهم فى العمل أو فى الحياة عمومًا، سلوكيات من شأنها إلحاق الأذى بهم دون أن يقترفوا أى ذنب سوى أنهم ناجحون ومميزون، وتأتى هنا محطة هامة جدا من محطات الحياة ألا وهى الثبات على النجاح، والثبات على تحقيق الأهداف السامية بالثبات على الحق.

ويأتى الثبات على الحق بالاستفادة من قراءة تراجم سلفنا الصالح- رحمهم الله تعالى- وأخذ العبرة والعظة منها ليساعدنا ذلك على تخطى العقبات وتجاوز المعوقات لتحقيق الأهداف السامية، حيث كانوا هؤلاء كالجبال الشامخات لم تَهزهم الفتن، ولم تحركهم المحن، فثبتوا رغم ما حلَّ بهم، فنفع الله بهم مجتمعهم وأوطانهم، إن أهل الحق أصحاب الرسالات الإصلاحية فى كل زمان ومكان هم أعظم الناس صبرًا على أقوالهم ومعتقداتهم، وإن أصابهم فى سبيل ذلك ما أصابهم، ألم تر إلى أبى سفيان رضى الله عنه حين سأله هرقل ـ ملك الروم ـ عن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: هل يرتد أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه؟! فقال ـ وكان وقتها مشركًا ـ: لا، قال هرقل: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب؟

والقاعدة الرصينة بالثمار الأكيدة هى قاعدة الصبر، وعلى من أراد الاطلاع على نصوص هذه القاعدة من القرآن والسنة، أن يفتح مصحفه ويتتبع مادة الصبر(فعلا ماضيًا، ومضارعًا وأمرًا، ومصدرًا، واسم فاعل للمذكر والمؤنث).

 ومن السهل اليوم الوصول إلى هذه المادة وغيرها عن طريق البحث فى برامج الحاسب، فمن أمثلة الماضى قوله تعالى فى الآية (43)من سورة الشورى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، ومن أمثلة المضارع قول الله تبارك وتعالى فى الآية (9.)من سورة يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يضيع أجر المحسنين}، ومن أمثلة الأمر والمصدر قول الله تبارك وتعالى فى سورة النحل الآية(127): {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ}، ومن أمثلة اسم الفاعل للمذكر والمؤنث قوله تعالى فى سورة الأحزاب الآية(35): {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ}، هذه القاعدة وردت فى القرآن الكريم مقصودا بها كل من آمن بالله، وأرد الفوز برضاه الذى لا يتحقق بغير الصبر، والدعاة إليه سبحانه الذين يريدون الثبات على منهجه هم أولى الناس بذلك، لما يواجهونه فى حياتهم من مشقات، لا يجتازونها بدون الصبر، والنبى عليه الصلاة والسلام، وهو آخر الرسل تلقى من ربه أوامر بالصبر فى وحيه فى مقامات كان أحوج ما يكون فيها إلى هذه القاعدة العظيمة كقوله تعالى فى سورة غافرالآية (55) {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}، وقوله تعالى فى سورة ق الآية (39): {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}، وكان الله تعالى يسلّى رسوله بذكر ما جرى لإخوانه الرسل من قبله من الأذى، ليتخذ من ذلك عدة ويصبر كما صبروا، كما قال تعالى فى سورة الأحقاف الآية (35): {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ}.

وأعلى من الصبر على الشدائد وبخاصة، فى مواجهة الأعداء: المصابرة وهى أن يكون المصلح فى مجتمعه ووطنه صبورا على تحقيق أهدافه مهما واجه من إحباطات فإنما الأعمال بالخواتيم، ولهذا قال الله تعالى: فى سورة آل عمران الآية (2..): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وكلمة "لعل" كما ذكر العلماء تفيد من الخلق الرجاء،  وتفيد من الله التحقيق.

 ولا ننسى التوكل على الله والاعتماد عليه وإحسان الظن به وبنصره، ومن تطبيقات رسله عليهم الصلاة والسلام التوكل على ربهم والاعتماد عليه، ومن ذلك ما وجدناه من موقف سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام من عناد قومه وجبروتهم وقوة تحديه لهم وهو لا يملك جيشًا وسندًا قويًّا غير الذى توكل عليه، كما قال تعالى فى سورة يونس الآية (71): {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَى وَلا تُنْظِرُونِ}، فهو يتحداهم بأن يعزموا جميعًا على فعل ما يريدونه به من السوء والأذى، ويستعينوا بشركائهم التى يعبدونها من دون الله، وليكن عملهم ضده واضحًا جليًّا لا يخفونه، ويعجلوا به بلا تأخير ولا إمهال، وهذا هو سبيل جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، يتحدون أقوامهم العتاة الجبابرة، بقوة توكلهم على الله القوى القادر على كل شيءٍ، وهذه المواقف نتذكرها لنعرف أن الإنسان المتميزَ صاحب الهدف السامي لمجتمعه عليه بالأخذ بأسباب القوة والتمكين مثل التخطيط والصبر، وتكوين الفريق المميز المخلص الذى يساعده فى مسيرته العملية.

 والعلاج الحقيقى لأعداء النجاح هو عدم تعميق العلاقة بهم، ودعاء الله لهم بالهداية مع التحلى بحسن التوكل عليه مع الأخذ بالأسباب، والمهم أن يكون الانسان واثقًا بالله ثم بنفسه، فلا يهتز ولا يرضخ لمخاوفه أو الأوهام التى يحاول أعداء النجاح تسويقها ليوقفوه عن مسيرته وأهدافه، ولنتعلم من سيرة المصطفى عليه السلام فى التعامل مع خصومه وأعدائه، فمنهم من قام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلـم باحتوائه، ومنهم من تجاهله، ومنهم من قام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلـم بمواجهته إذا لزم الأمر لحسم الصراع، ولنعلم أن الله هو الميسر وهو الحافظ، وأن البشر إذا اجتمعوا على عطاء الانسان أو منعه من شيء دون إرادة الله فلن يستطيعوا، وهذه قيمة عظيمة تمنحنا الراحة والطمأنينة وتساعدنا على الثبات على الحق.