أ/ مجدى حجاج
استشارى أسرى وتربوي
نعيش حاليا صراعا مريرا أشبه ما يكون بكابوس يسمى (التربية السليمة ) تربية الأبناء.
عدة عوامل صاغت هذا الصراع حتى أصبح ما هو عليه، وعلى رأسها : الجهل ، الفقر، الثقافة، ولا نعنى بالجهل أمية القراءة والكتابة ، بل الجهل بالتربية فضلا عن معرفة أثرها وقيمتها للوالدين ثم للمجتمع .
الفقر عامل مؤثر جداً لا ينكر أثره في التربية سوى مغيب أو مكابر ، ثم ثقافة المجتمع وما يأثر فيه من إعلام مرئي ومسموع ، والإعلام المرئي خير شاهد بما يحمله ويمثله من تنصل من القيم والأخلاق والفضيلة إلا ما شذ وهو نادر شحيح .
في الأصل التربية مسمى كبير ولا تعنى الاهتمام بالطعام والشراب والملبس والدواء فهذا كله واقع تحت اسم ( الرعاية ) فمن يرعى قطة يقوم بكل ما سبق ، أما التربية فهي غرس قيم ومفاهيم وزراعة أخلاق وتقاليد وتوريث وعى وحكمة ، فالتربية من ربا أي زاد ونما وهذا يشمل الجسم والعقل معاً .
وجدير بالذكر هنا قصة الرجل الذى جاء يشكو ابنه لأمير المؤمنين الخليفة ( عمر بن الخطاب رضى الله عنه ) قائلا ان ولدى يعقني ، فدعاه عمر ليسمع منه وقال إن أباك يشكو عقوقك ، فحقا ما يقول ؟
فسأله الفتى يا أمير المؤمنين: هل على أبى حق لي، فقال الخليفة نعم ، فقال وما هو؟
فقال الخليفة حق الوالد على ولده أن يختار زوجة صالحة تكون أماً وأن يختار لك اسماً حسنا وأن يعلمك شيئا من كتاب الله عز وجل، فرد الفتى: يا أمير المؤمنين إن أبى لم يفعل من ذلك شيء ، فقد تزوج بامرأة مجوسية خرقاء ( لا عقل لها ) وسمانى جعلا ( اسم حشرة ) ولم يعلمني من كتاب الله شيئا .
فالتفت عمر ( رضى الله عنه ) للرجل وقال له لقد عققت ولدك قبل أن يعقك .
من هنا ندرك أن التربية تبدأ من اختيار كل زوج للآخر وهل تصلح أن تكون أماً أم لا ؟ وكذا الزوج هل يصلح أن يكون أباً أم لا ؟ ومدى قيمة معرفتهما بالحياة الزوجية وقيمة الأسرة والأبناء وأهمية التنشئة الصحيحة وأثر ذلك عليها وعلى المجتمع والأمة بأسرها وما فيه من تحقيق للذات وتقدير واحترام .
إن أمما تبنى حضارات وأمم تشيد بنايات وأمم تستهلك ولا تعمر وأهمها أمة تبنى إنسان، يكون منشئ الحضارة، لهى خير الأمم، وأسوئها هي المستهلكة التي لا تبنى حضارة ولا بناية، وبنظرة فاحصة واعية ندرك حجم الدمار، الذى لحق العالم بسبب شخصية مشوهة مثل هتلر ( الفوهلر العظيم ؟؟ ) الذى يحكى عن نفسه قائلا ( ما زلت اسمع صوت أبى وهو يضرب أمي حتى تبتل ملابسي خوفا منه ) مثل هذا النموذج يقود قومه إلى حتفهم .
التربية الصحيحة تصنع إنساناً يعرف الحق ويرحم الخلق أياً كان نوعه أو دينه أو جنسه، ولا بذكر إلا مثالاً واحداً على التربية كما يجب أن تكون .
بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خادمه أنس وكان صبيا لقضاء أمر ما ، وتأخر ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتفقده ، فوجده يلعب مع صبيان مثله ، فأمسكه من ملابسه مازحا وقال يا أُنيس هلا قضيت حاجتي ثم أرسله ( أي تركه ) هكذا !
لم يضربه أو يعنفه أو يحذره من تكرارها أو يقف حتى يرى هل ينصرف أم يتلكأ أو يلعب ( هذا ما نطلق عليه التربية )
ونختم هذا بالقاعدة الذهبية لأمير المؤمنين ( على بن ابى طالب رضى الله عنه ) وهو يوصى الإباء والمربين جميعا بقوله : لاعب ابنك سبع وأدبه سبع وصاحبه سبع، ونعجب حين نرى إن هذا هو شعار المربين في بلاد الغرب منذ سنوات قليلة