د. شريف شحاتة
محاضر دولي
وخبير التنمية البشرية
التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل
التقوى كلمة يستشعر القلب ثقلها، وتحس الأذن بجرسها، وزاد للروح يُتحلى بها، فهي ببساطة الحماية من كل الأخطار، صغيرها وكبيرها، خارجيا وداخليا، " أن يراك الله حيث أمرك ..
وأن يفتقدك الله حيث نهاك "، أن يراك الله حيث أمرك أن يراك الله في المسجد تصلى، أن يراك الله في العمل تتقنه، أن يراك الله في البيت تحسن معاملة والدك ووالدتك، أن يراك الله مع أصحابك تخططون للنجاح فى الحياة، أن يراك الله بين أصدقائك تجتمعون على طاعة، أن يراك الله تحب الخير لكل المسلمين وتساعدهم، أن يراك الله تأخذ بيد غيرك مقدما يد العون وصدق النصيحة، وأن يفتقدك الله حيث نهاك، أن لا يراك الله في مكان ما عُرف عنه إلا أنه مكان معصية، أو معقل مشبوه، أن لا يراك الله في بيتك تغلق عليك بابك مستترًا لفعل ما يحلو لك من ذنوب، أن لا يراك الله ترتدين حجابك فى الشارع ولكن فى جامعتك أو فى فرح صاحبتك تخلعيه !!
أن لا يراك الله مع أصحابك لا تخططون لمعاصي وذنوب، أن لا يراك الله تتصفح المواقع الإباحية وتنشر صورها، أن لا يراك الله تعاكس بنات المسلمين وتداول صورهم وأرقام هواتفهم، أن لا يراك الله تكلم من لا تحل لك وهى تكلم من لا يحل لها فى جوف الليل، وكأنك نسيت " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وتعريف رائع " فعل ما أمرك الله بفعله..
وترك ما أمرك الله بتركه " اعتقد أن " التقوى " التى هى حزام أمان الدين والدنيا والقلب، لم تعد صعبة المعني، ولا عسيرة الفهم، ولا مستحيلة الإدراك، بل هي وجودك دومًا في طاعة الله وعبادته .. فأنت تمارس حياتك وترتدى أفخر الثياب، وتلعب الرياضة وتذهب لعملك وتخرج مع الأصحاب، ولكن وفق إطار الحلال والحرام، وقال علي بن أبي طالب: "
التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والإستعداد ليوم الرحيل " حقيقة رائعة: قال أهل العلم: التقوى هي: " لو جمعت ما في قلبك في طبق مكشوف، وطفت السوق لم يكن فيه شيء تستحى منه "، فكم واحدًا منا يستطيع أن يضع قلبه بين كفيه ويمر به أمام الناس ؟! ولا يخجل أن يراه الناس أو يخاف أن يفضح بكذا وكذا ؟!..
ويعرف الناس عنه أنه يفعل كذا وكذا ؟!.. فما بالنا بالعرض على الله عز وجل يوم القيامة فأيهما تخشي ؟! وأيهما تخاف ؟! وأيهما تستعد الى لقائه ؟! والعجيب إذا قال لك أحد: " اتق الله " .. غضبت !! أخذته العزة !!
يا صاحب العقل الواعي، كم تنذر الدنيا وما تسمع !! وكم تحذر من وقع أسيرا لها ولكن يطمع !! واذا قيل له : اتق الله .. سخط عليك وقال : أومثلك ينصحنى ؟!!..
أأنت ترشدنى ؟! وكأنه تعالى عن البشر، وظن أنه فوق البشر، وهنا يضيق صدره ويحمر وجهه، والسبب أن فلانًا قال له: " اتق الله "، ما أجمل لو فهم معناها وأخذها بحسن ظن أن يقول ويدعو: " اللهم اجعلنى من المتقين "، ولكننا في واقعنا نحسبها سُبة، أو قذف في وجه من يقال له، ومن هنا رسم القرآن الكريم هذه الصورة " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ "، وهذا ميمون بن مهران حين جاءه رجل وقال له: " يا أبا أيوب :
ما يزال الناس بخيرٍ ما أبقاك الله لهم ؟! فردَّ عليه: " أقبِل على شأنك، ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم". لذا تعالوا نرص حروف القاعدة، ومعنى رائع: قال أهل العلم "إحكام ما بين الإنسان والخلق بحسن المعاملة والسلوك، وإحكام ما بين الإنسان وخالقه، بحسن العمل والطاعة "، وقال ابن عباس: "المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به" وذكرت التقوى على لسان ( 258 آية )، كلها تأخذ معني التقوى تخيل العدد، لذا صنف العلماء هذا القاعدة : "التقوى: أساس العمل وأصل الطاعة"