الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
الفساد همّ لا ينقطع ويأس مستمر وسبب لشقاوة الدنيا والآخرة
مخالفة الظاهر للباطن وشراء الضلالة بالهدى
قال تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)} [البقرة : 11-16].
تتناول هذه الآيات صنفًا من المنافقين عظيم الفساد وهم من يبطنون الفساد ويسلكون طريقه ويدَّعون ويشيعون أنهم مصلحون، على أنهم لديهم قدر كبير من الكبر وهو القدر الذى يظنون معه أن الذين يؤمنون بالله سفهاء ألا إنهم هم السفهاء، وهم المنافقون، وهم من عميت أبصارهم وبصائرهم فلم يعرفوا طريق الحق ولم يهتدوا إلى طريق الصواب.
ومن صفات هؤلاء المنافقين أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون فإذا لقوا الذين آمنوا نافقوهم وداهنوهم وأظهروا لهم الإيمان، حتى إذا خلوا إلى شياطينهم من الإنس والجن قالوا: إنا معكم بقلوبنا وبأرواحنا وأجسادنا، ولكننا مستهزئون.
فهؤلاء اشتروا الضلالة بالهدى فخسر بيعهم وضل سعيهم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة .والغريب في الأمر أنهم زعموا أن إفسادهم هذا إصلاح, بل زعموا أنهم وحدهم هم المصلحون, فجمعوا بين فعل الفساد واعتقاده حقا والدعوة إليه, ولذلك أكّد الله على أنهم هم المفسدون بأبلغ أسلوب وأوثق توكيد, فليس بعد فسادهم فساد, ولكن من حمقهم لا يستشعرون ولا يستحيون من الله.
قال الإمام ابن القيم: (( فنفى علمهم بسفههم وشعورَهم بفسادهم, وهذا أبلغ ما يكون من الذم والتجهيل: أن يكون الرجل مفسدًا ولا شعور له بفساده ألبتة, مع أن أثر فساده مشهور فى الخارج مرئى لعباد الله, وهو لا يشعر به, وهذا يدل على استحكام الفساد فى مداركه وطرق علمه.
فإذا كان بهذه المنزلة وهو لا يعلم بحاله كان من أشقى النوع الإنساني, ونفى الشعور عنه بالفساد الواقع منه متضمن لفساد آلات إدراكه, فتضمنت الآيتان الإسجال عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك, بحيث يعتقدون الفساد صلاحا والشر خيرا )) [بدائع الفوائد” 4/1541].
ودائما الإفساد يقابل الإصلاح {وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} [البقرة 11]، {وكان فى المدينة تسعة رهط يفسدون فى الأرض ولا يصلحون} [النمل: 48]، و{لاتفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها} [الأعراف: 56].
والإفساد يشمل الشرور والمعاصى التى تتعلق بحقوق العباد كالقتل، {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} [البقرة 30]، والتخريب {وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} [البقرة 205]، والسرقة {ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين} [يوسف 73]، وأكل حقوق اليتامى وأموالهم {وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح} [البقرة 220].
كثير من المفسدين تختل لديهم مقاييس الخير والشر فيزعمون أن إفسادهم إصلاح، ولم يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الإفساد، بل تجاوزوه الى التبجح والتبرير والذين يفسدون أشنع الفساد ويقولون: إنهم مصلحون كثيرون جدًّا فى كل زمان، والذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم، لأن ميزان الخير والشر، والصلاح والفساد يتأرجح مع الأهواء الذاتية {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} [الكهف 104/103].
إن الله تعالى خلق الإنسان لمقصد سامٍ عظيم, قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56], وخلق له ما فى الأرض جميعا صالحًا ليستعين به على بلوغ غايته, قال تعالى: {هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29], فعدم قيام العبد بمطلوب سيده خروج منه عن استقامته, وذلك هو عين الفساد, وسلوكه غير السبيل المرسوم له هو الفساد العظيم, واستخدامه ما أتاح له سيده من الوسائل فى غير المقصد المطلوب سفه وفساد.
من عصى الله فى الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد فى الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة .
قال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88], فذكر الله سبحانه أن الكفر به والصدّ عن سبيله إفساد يُستحق به أشد العذاب.
وقال تعالى عن عاد وثمود وفرعون: {الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ [الفجر: 11، 12], يعنى الشرك والظلم والعصيان.
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30].
سألت الملائكة ربهم على وجه التعجب والاستكشاف عما خفى عليهم من الحكمة فى خلق من سيعمل الإفساد فى الأرض, مع أنهم قائمون بالعبادة على وجه خالٍ من المفسدة. والنص على سفك الدماء بعد ذكر الإفساد الشامل لأنواع المعاصي؛ تخصيص بعد تعميم؛ لبيان شدة مفسدة القتل والاعتداء, ويوضح هذا قوله تعالى بعدما قص عن أول قتل وقع فى الأرض: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
وقال شعيب عليه السلام لقومه: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85], فجعل الغش من أعظم الفساد, وكذلك أنواع الظلم والاعتداء على الغير.
وقال إخوة يوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِى الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف: 73], ففسروا الإفساد فى الأرض بالسرقة.ومن مظاهر الفساد: العدول عن الحق بعد معرفته, قال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالمُفْسِدِينَ} [آل عمران: 63].
مخالفة الظاهر للباطن من أخطر أدواء القلوب:
قال أحد السلف: ((إذا استوى ظاهر المسلم وباطنه، فهذا هو الإنصاف والعدل، وإذا كان الباطن خيرًا من الظاهر فهذا هو الفضل، وإذا كان الظاهر خيرًا من الباطن فهذا هو الجور)).وكان الصحابة ومَن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق، ويشتد قلقهم وجزعهم منه.
• فهذا عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - كان يسأل صاحب سرِّ النبى -صلى الله عليه وسلم- فى الفتن والمنافقين - حذيفة بن اليمان رضى الله عنه - فيقول: ((أسألك بالله، هل سمَّانى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنافقين؟ فيقول حذيفة: لا، ولا أؤمِّنُ أحدًا بعدك)).وفى مسند البزار - بسند صحيح - عن عبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنه - أنه دخل على أم المؤمنين أم سلمة - رضى الله عنها - فقال: إنى أكثر قريشٍ مالاً، وإنى أخشى أن يُهلِكَنى مالي، فقالت: تصدَّق؛ فإنى سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن من أصحابى مَن لا يرانى بعد أن أفارقه))، فخرج عبد الرحمن وهو منقطع قلبه من الخوف، فالتقى بعمر - رضى الله عنه - وأخبره بالأمر، فدخل على أم سلمة فقال: أسألك بالله، هل أنا منهم؟ فقالت: لا، ولا أُبَرِّئُ أحدًا بعدك)).
يقول ابن رجب - رحمه الله -: ((ما عُلِمَ على الإطلاق أن رجلاً خُتِم له بسوء الخاتمة، وقد استقام ظاهره مع باطنه)).
وذكر ابن الجوزى - رحمه الله - كما فى فتح الباري: أن رجلاً يدعى قزمان، وكان قد تخلَّف عن المسلمين يوم أُحُد، فعيَّره النساء، فخرج حتى صار فى الصف الأول، فكان أول مَن رَمَى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه، وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، فمر به قتادة بن النعمان، فقال له: هنيئًا لك بالشهادة، فقال: والله ما قاتلتُ على دينٍ، وإنما قاتلت على حسب قومي، ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه.فهو فى الظاهر جاهد فى سبيل الله، ولكن الباطن خلاف ذلك، وهذا يذكِّرنا بأولئك النفر الثلاثة الذين هم أول مَن ستُسعَّر بهم النار؛ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أوَّل الناس يُقضَى يوم القيامة عليه، رجلٌ استُشْهِد، فأُتِى به فعرَّفه نِعمَه فعَرَفها، قال: فما عَمِلتَ؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استُشهدتُ، قال: كذبت، ولكنك قاتلتَ لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحب على وجهه حتى ألقى فى النار، ورجلٌ تعلَّم العلمَ وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتى به فعرَّفه نِعَمَه فعَرَفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال: تعلَّمتُ العلم وعلَّمتُه، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلَّمتَ العلمَ ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ؛ فقد قيل، ثم أُمر به فسُحِب على وجهه حتى أُلقِى فى النار، ورجلٌ وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتى به فعرَّفه نِعمَه فعَرَفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحبُّ أن يُنفَق فيها إلا أنفقتُ فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جَوَاد، فقد قيل، ثم أُمِر به، فسُحِب على وجهه، ثم أُلقِى فى النار)).
الفساد حرمان للنعم:
إن نِعم الله الكثيرة كالرخاء والعزة ورحمته الواسعة فى الدنيا والآخرة لا يحرمها العبد إلا بفساده, ولا تزول عنه حتى يخرج عن الصلاح لها, قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53], وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].وكان الصالحون يرون أن ما يصيبهم من أذى ولو قلّ؛ أنه بسبب فساد وقع منهم, ورجع إبراهيم بن أحمد الخواص إلى مسجده يوما, فلما جلس سئل عن خروجه فى أول مرة ورجوعه, ثم خروجه فى الثانية, وما كان من أمر الكلب.
فقال: (( نعم, إنما نبح على الكلب لفساد كان قد دخل على فى عقد بينى وبين الله, لم أنتبه له فى الوقت, فلما رجعت إلى الموضع ذكرته فاستغفرت الله عز وجل منه, ثم خرجت الثانية فكان ما رأيتم, وهكذا كل من خرج لإزالة منكر فتحرّك عليه شيء من المخلوقات فلفساد عقدٍ بينه وبين الله عز وجل, فإذا وقع الأمر على الصحة لم يتحرك عليه شيء )) [صفة الصفوة” لابن الجوزى 4/101].الفساد سبب الهلاك:
وكل هلاك ودمار واقع فى الأرض فإنما هو بسبب فساد الإنسان, قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204-206].
فهذا العبد أفسد نفسه بعصيانه لسيده, وأفسد بفساده ما فى الأرض جميعا؛ فالحرث نتاج الأرض من الزروع والحبوب والثمار, والنسل نتاج الحيوان والناس, وإهلاكه لهم إما مباشرة كالقتل والتخريب, أو التسبب كنزول الجدب والبلايا بمعاصيه, ولذلك قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: (( إنه لا يبقى مع الفساد شيء، ولا يقل مع الإصلاح شيء )) [شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد 12/69] .
وقال الشاعر وهو المتلمّس الضبعى :
وإصلاحُ القليل يزيدُ فيه ولا يبقى الكثيرُ على الفسادِ
وهذا أثر فساده فى غيره, أما فى نفسه فعذاب دائم, وهمّ لا ينقطع, ويأس مستمر, فالاستمرار على المعاصى يفسد الدين والدنيا.
الفساد سبب لشقاوة الدنيا والآخرة :
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25], فالفساد سبب لشقاوة الدنيا والآخرة.ونبى الله شعيب عليه السلام نهى قومه عن الفساد بأنواعه, وذكّرهم بنعم الله, ثم دعاهم إلى الاعتبار بسابقة المفسدين فقال: {وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ} [الأعراف: 86].
وكلما اشتد فساد الإنسان وكثر؛ ساءت عاقبته واشتد عقابه, قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].
فساد الإنسان فساد للدنيا:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((اعلم أن الله سبحانه أتقن كل شيء صنعه, وأحسن كل شيء خلقه, فهو عند مبدأ خلقه بريء من الآفات والعلل, تامّ المنفعة لما هيّئ وخلق له, وإنما تعرض له الآفات بعد ذلك بأمور أخر؛ من مجاورة, أو امتزاج واختلاط, أو أسباب أخر تقتضى فساده, فلو ترك على خلقته الأصلية من غير تعلق أسباب الفساد به؛ لم يفسد.
وكلما أحدث الناس ظلما وفجورا أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل فى أغذيتهم وفواكههم وأهويتهم ومياههم وأبدانهم وخلقهم وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم, من النقص والآفات؛ ما هو موجَب أعمالهم وظلمهم وفجورهم )) [زاد المعاد فى هدى خير العباد” 4/332].من صفات المنافقين الاستهزاء بأهل الصلاح والإيمان:
إن الاستهزاء بأهل العلم والصلاح صفة من صفات الكافرين، وخصلة من خصال المنافقين، كما قرر ذلك القرآن فى آيات كثيرة.
يقول الله تعالى : {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة:212].وقال سبحانه : {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } [المؤمنون:103، 111].
وقال سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:29- 33].
وقال تعالى فى شأن المنافقين {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14- 15].
وقال تعالى {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِى الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79].والاستهزاء بالمؤمنين والعلماء والصالحين على ضربين:
أحدهما: الاستهزاء بأشخاصهم، كمن يستهزئ بأوصافهم الخَلْقِّية أو الخُلُقِّية، وهذا محرم لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]
والضرب الآخر: الاستهزاء بالمؤمنين والعلماء لكونهم علماء، ومن أجل ما هم عليه من الدين فالاستهزاء – هاهنا – متوجه إلى الدين والسنة فهذا الاستهزاء يناقض الإيمان لما يلي:
1-أن الله عز وجل جعل الاستهزاء بالمؤمنين استهزاء بالله تعالى وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تبارك وتعالى:- {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ}[التوبة:65، 66].وقد جاء فى سبب نزول هذه الآيات عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: قال رجل فى غزوة تبوك فى مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل فى المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبه الحجارة، وهو يقول: - يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ}.
2- عاقبة الاستهزاء بالمؤمنين هى العذاب الأليم فعندما ينادى أهل النار قائلين {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:107]
يقول الله تعالى جواباً عنهم {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:108– 110].
التجارة الرابحة والتجارة الخاسرة:
من باع نفسه وما يملك لله رب العالمين فهو الرابح، ومن باع نفسه لغير الله فهى الخسارة الماحقة، وفيما يلى بيان ذلك من خلال ما ذكر الله تعالى فى كتابه.يحدثنا ربنا تبارك وتعالى عن أن التجارة معه لا يلحقها بوار ولا يتوقع فيها خسارة فيقول رب العزة: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ. لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30،29].
وفى موضع آخر من كتاب الله تعالى يحدثنا ربنا تبارك وتعالى عن هذه التجارة، والثمن الذى يدفع فيها أو الجزاء المستحق عليها فى الدنيا والآخرة، فيقول ربنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ}[الصف:10-13].وفى موضع ثالث من كتاب الله تعالى يذكرنا ربنا بهذه التجارة، وأن من سلك سبيلها وسار فى طريقها فهو الفائز حقًا، وأن ما وعد الله به أصحاب هذه التجارة من عظيم المثوبة؛ وعد صادق لا يتخلف. وفى هذا يقول ربنا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].
وقد ورد فى السنة النبوية المطهرة من المواقف ما يشهد لفقه الصحابة رضوان الله عليهم لهذا المعنى، فحين بايع الأنصار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيعة العقبة، قالوا له: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال صلى الله عليه وسلم: ((أشترط لربى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسى أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم)). قالوا: فمالنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: ((الجنة)). فقالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل.
وحين هاجر الصحابى الجليل صهيب بن سنان الرومى رضى الله عنه وحال المشركون فيما بينه وبين هجرته، وقالوا: جئتنا صعلوكًا لا مال لك، وتريد الآن أن تهاجر بمالك؟؛ ففاوضهم على أن يترك لهم ماله ويدعوه، فوافقوا، فلما بلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى.
وهذا الفقه نفسه هو الذى دفع سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه- وقد حضرت تجارة له إلى المدينة- فجاءه التجار ليساوموه عليها، فقال: بكم تأخذونها؟ فقالوا: نعطيك على الدرهم درهمين، فقال: هناك من يعطى أكثر، فقالوا: نعطيك على الدرهم ثلاثة، فقال: هناك من يعطى أكثر، فما زالوا يزيدونه، وهو يقول لهم: هناك من يعطى أكثر، فقالوا له: ليس فى المدينة تجار غيرنا، فقال: إن الله وعدنى على الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. أشهدكم أنها جميعًا فى سبيل الله، وقام بتوزيعها على الفقراء والمساكين.
هذه تجارة المؤمنين الذين يبتغون بأعمالهم وحياتهم رضى الله والنجاة فى اليوم الآخر، ولكن فى مقابلة هذه الصورة هناك تجارة المنافقين الذين اشتروا الضلالة بالهدى إنها التجارة الخاسرة.
يقول ربنا فى شأن المنافقين : {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:16].
ويقول رب العزة فى شأن اليهود: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة:86].
ويقول فى شأن المشركين: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة:9].المنافقون من أبرز نماذج الجمع الثاني، فبعد أن يذكر القرآن أعمالهم التخريبية المتلبسة بظاهر الإصلاح والتعقّل يقول عنهم: {أولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَة بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَاكَانُوا مُهْتَدِينَ}. كان بمقدور هؤلاء أن ينتخبوا أفضل طريق لحياتهم، لأنهم كانوا يعيشون إلى جانب ينبوع الوحى الصافي، وفى جوّ مفعم بالصدق والإخلاص والإيمان. لكنهم فوّتوا على أنفسهم هذه الفرصة الفريدة العظيمة، وأضاعوا ما وهبهم الله من هداية فطرية فى ذواتهم، ومن هداية تشريعية فى إطار نور الوحي، واشتروا الضلالة وسلكوا طريقاً ظنوا أنه طريق الهدى فإذا هو طريق مظلم .
ونستنتج من المقابلة بين الصورتين أن الراغب فى ثواب الله وعظيم جزائه لابد وأن يعطى من نفسه المجهود، ولا يبخل بمال الله على عباد الله، ولن ينفع الإنسان أن يتمنى على الله الأمانى دون عمل، وقد قال الإمام الحسن البصرى رضى الله عنه: ((ليس الإيمان بالتمنى، ولكن ما وقر فى القلب وصدَّقه العمل، وإن قومًا غرتهم أمانىُّ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل)).
ونختم بهذا الحديث الذى رواه الإمام الترمذى بسنده وحسَّنه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)).
نسأل الله أن يزين قلوبنا بحب الإيمان وأن يرزقنا رضاه وأن يكتبنا مع أحبابه وأن يعيذنا من صفات المنافقين وأن يدخلنا فى عباده المرضيين إنه نعم المولى ونعم النصير.
التفسير الموضوعي للقرآن الكريم سورة البقرة (3)
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة