العطاء من الخلق حرمان.. والمنع من الله إحسان

الحكم الربانية
طبوغرافي

 

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الأسلامى

الدكتور

من حكم الإمام الشيخ" ابن عطاء الله"

وهى حكمة عميقة فى معناها وفى دلالتها :( العطاء من الخلق حرمان، والمنع من الله إحسان) ـ

البشر لهم عطاء فى المكان، وعطاء فى الزمان، وعطاء بالمال،

لكن عطاء البشر عطاء مقطوع وممنوع، وعطاء غير دائم، أما عطاء الملك سبحانه وتعالى فهو عطاء لا يتوقف.

إن عزيمة الإنسان أن يوقن أن البشر لا ينفع بعضهم بعضًا، ولا يضر بعضهم بعضًاإلا بإذن الله.

العطاء من البشر حرمان لماذا؟ لأنه لن يدوم هذا العطاء إلا بأمر الله الملك سبحانه وتعالى، فعطاءك لأهل بيتك

عطاء مؤقت، وهو وإن جاز التعبير حرمان ـ لماذا؟ لأن الرجل الذى يعول أولاده ربما يحدث له مكروه، أو يموت

فيحرمون منه فأصبح العطاء حرمانًا.

 العطاء من الله سبحانه وتعالى كرم و المنع من الله إحسان .

يقول الله عز وجل فى الحديث القدسى:
 ( لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا فى صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل واحد منهم مسألته، ما نقص

ذلك من ملكى شيئًا إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر )

يعنى لو أن كل الناس سألوا الله تعالى أن يعطيهم من كل الخيرات، فأعطى كل واحد مسألته، فلن ينقص ذلك من

ملك الله العظيم شيئًا، ولكن الله تعالى يمنع عنك بعض الأشياء حتى لا تقع فى الفتن، أو أن يعطيك شيئًا لا

تستطيع القيام به، وتخذل به يوم القيامة، فالله ربما منعها عنك لأنه يحبك، إذن هذا المنع من الله، حرمان لك، أم

إحسان إليك؟

أنت تراه حرمانًا ولكنه فى الحقيقة إحسان.

فى عام الحديبية كان النبى صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة، ويراها رأى العين، ويلبس ملابس الإحرام،

لكن أهل مكة رفضوا دخوله بشدة، وقالوا: لن يدخلها محمد أبدًا, وأصروا على موقفهم، ووافق النبى، ورجع ومعه

أصحابه الذين رضى الله تعالى عنهم، رجعوا بملابس الإحرام، غضب الصحابة ،وهاج سيدنا عمر وماج، وانفعل على

النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن الله سبحانه وتعالى جل جلاله قد فتح عليهم، فالمنع من الله إحسان.

كل عمل فى الحياة يعتريه النقصان، لكى يجد المسلم أبوابًا يعتلى فيها سلم الكمال، ينشُده  بصلاة ركعتين، فإن

لم يشبع قلبه منهما، إذن فإنه ما زال محرومًا، فهو محتاج أن يزيد فى باب الإحسان إلى نفسه، يقول الله تعالى

فى الحديث القدسى: "إن من عبادى من إذا أغنيته صلح حاله، ومن إذا أفقرته صلح حاله، ومن عبادى من إذا

أغنيته فسد حاله، ومنهم من إذا أغنيته فسد حاله"

لكن المسألة هى: لو أن الله تعالى أعطاك كل ما تمنيت ما كانت الدنيا دنيا، لماذا؟ لأن الله تعالى يعطيك كل ما

تمنيت فى الآخره، ومستحيل أن تكون الدنيا مثل الآخرة، يقول سبحانه وتعالى: {وآتاكم من كل ماسألتموه وإن

تعدوا نعمة الله لا تحصوها} أعطاك فى الدنيا المال على سبيل الابتلاء، أما فى الآخرة فلك كل ما تمنيت وزيادة.                                                                                                                                         

الإنسان يموت وقد ترك أمنيات كثيرة لم يستطع أن يحققها، هذا شئ طبيعى، لأن الدنيا من الدنا، والدنا عجز، فالله

عز وجل يكمل للإنسان أمنياته فى الآخرة: {وللآخرة خير لك من الأولى}.

الله يريد لك خيرًا، فيقول أحد الناس كيف ذلك وولدى معاق، وزوجتى مريضة؟ أقول لك إن الله تعالى إذا منع أحسن،

وإذا أعطى أجاد .

فالخلاصة هى: لا أحد ينفع أحدًا، ولا أحد يضر أحدًا، كلها أمور مقدرة فى علم الله سبحانه.