ما بسقت أغصان ذل إلا على بذور طمع

الحكم الربانية
طبوغرافي

maxresdefault

 

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الأسلامى

الدكتور

ما بسقت أغصان ذل إلا على بذور طمع

الطمع: مضاد للعزة والإيمان

أتطمع فى ليلى وتعلم إنما تقطع أعناق الرجال المطامع

( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا).

وهذه الحكمة من حكم الإمام ابن عطاء السكندرى رحمه الله.

وهى حكمة تعمل على ترشيد السالكين، أملًا فى نقائهم، وسلامة وصولهم، حيث يريد بها تحذير جموع السائرين من آفة الطمع، التى يجلبها الوهم، ويتولد منها الذل، «فمتى وجد الطمع فقد وجد الذل، بل كل أنواع الذلة مرتبطة بالطمع، فبقدر ما تستطيع أن تتحرر من الطمع فإنك تتحرر من الذل..».وهى نابعة من المنهج الإسلامى القائم على العفاف، والرضا بما عند الله تعالى؛ حيث إن المؤمن حقًا هو من لا يطمع، ولا ينظر إلى ما فى يد غيره أبدًا. فالطمع سبب نتيجته الذل .ولهذا جاء فى الأثر أن أحد الناس قيل له “إن ابنك أصبح قاضى القضاة”، فقال : لو أبلغتمونى أنه مات لكان خيرًا لى وله؛ لأنه يعلم أن هذا المنصب قد يؤدى به إلى الهاوية.

الطمع مضاد للعزة والإيمان

إن الله تعالى هو من اقتضى وجود العزة، وأمر المؤمنين بحسن الاتصاف بها، تكون عزة المؤمنين برفع هممهم إلى مولاهم، وطمأنينة قلوبهم إليه، وثقتهم به دون من سواه، فهذه هى العزة التى منحها الله عبده المؤمن.. «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين» (المنافقون: 8) وكما أن العزة من صفات المؤمنين كذلك المذلة من أخلاق الكافرين والمنافقين.. «إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين» (المجادلة: 20).

وقد قال أحد الصالحين “لو قيل للطمع من أبوك؟! قال: الشك فى المقدور، ولو قيل له: ما حرفتك؟ قال: اكتساب الذل، ولو قيل: ما غايتك؟ قال: الحرمان”.

وقال النيسابورى رحمه الله، من وجد فى نفسه محبة شيء من الدنيا، فقد طمع، ومن طمع فى شيء ذل، وبذله هلك، وقد قيل فى ذلك.

أتطمع فى ليلى وتعلم إنما تقطع أعناق الرجال المطامع

ويذكر أن أمير المؤمنين عليًا رضى الله عنه قدم البصرة، فدخل جامعها، فوجد القصاص يقصون، فأقامهم (منعهم)، حتى جاء الحسن البصرى رحمه الله فقال: يا فتى إنى سائلك عن أمر فإن أجبتنى عنه أبقيتك، وإلا أقمتك كما أقمت أصحابك، وكان قد رأى عليه سمتًا وهديًا، فقال الحسن: سل عما شئت؟ قال: ما ملاك الدين؟ قال: الورع. قال: فما فساد الدين؟ قال: الطمع، قال: اجلس فمثلك من يتكلم على الناس».

وليس معنى هذا أن الإنسان يزهد فى الدنيا زهدًا يكون إلى التكاسل أقرب منه إلى العمل. بل الأصل لدينا فى الإسلام، هو

( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا).

وعندما تستشرف نفسك لشيء من حطام الدنيا فتمنى أن يكون لك، ولكن بعمل وطاعة لله تعالى، وليس بذل وحقد وحسد؛ لأن الله قدَّر الأرزاق، وقسَّمها، وهذا فى كتاب الله تعالى{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) [الزخرف]

فالله قسّم أرزاق الناس، وجعل هذا غنيًا، وذاك فقيرًا، وهذا شريفًا وآخر وضيعًا «وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ» أى التفاوت فى الأموال والأولاد، والنسب والعشرة والجاه والمنصب «لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا» فى مصالحهم ويستخدموهم بأشغالهم حتى يتعايشوا، فعلى العاقل أن يتدرج فى هذه الدنيا، ولا ينظر إلى ما يجمعه الأغنياء من الحطام، بل ينظر إلى ما هو نافع له «وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» لأنهم وما يجمعونه فان، ورحمة الله باقية، وهذا مما يزهد فى الانكباب على الدنيا، ويعين على التوكل والانقطاع إليه تعالى.