لا حول على الآلام ولا قوة إلى الآمال إلا برحمتك

الحكم الربانية
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الأسلامى

الدكتور

وهذا الشيخ الإمام عانى كثيرا فى حياته من الظالمين، وحوكم وسُجن كثيرا وكثيرا دون ذنب فعله، وفى هذه المحاكمات كان يهان، وكان قد تجاوز الثمانين عامًا، ويقول على لسانه "كان عندى محاكمة، وكنت كبيرا فى السن، فأجلسنى الناس على كرسى، قبل أن يأتى القضاة، فلما جاء القاضى ورآنى جالسًا قال: لم يجلس هذا الشيخ الكبير ينبغى أن يقف فى هذا المكان إذلالا له وإهانة"
وحكمة اليوم معنا ( لا حول على الآلام ولا قوة إلى الآمال إلا برحمتك وعونك ).

ويقصد الإمام بالآلام كل أنواعها فليست قاصرة فقط على الآلام الجسدية بل النفسية أيضا وهي أشد وطأة وإيلام من الجسدية، فاللآلام الجسدية قد تُخدر بمسكنات طبية وعلاجية أما النفسية فلا سبيل إلى تخديرها.. وما أشد آلام الفقد، كأن يفقد أحد ابنه أو زوجه أو حتى يفقد عمله أو عضوا من أعضائه، وما أشق ضغوط الحياة.

وذات مرة توفى أحد شبابنا بالكهرباء فى الأردن، وكان هو الابن الوحيد، والعائل الوحيد للأسره، بعد أن كبر أبوه، وذهب بصره، وسافر الولد إلى الأردن شابا يرتزق، أصابته الكهرباء فصُعق ومات، فبلغوا الاب أن ابنه مات في الأردن، وجاء الناس يقدمون له العزاء فما وجدوه إلا سعيدا يقول ابني سبقني إلى الجنة فقد كان صالحا طيبا طاهرا.

وهذا سيدنا نوح عليه السلام وجد مالا يتحمله أحد من البشر من زوجته وابنه الذين تمسكا بكفرهما ولم يريدا أن يدخلا الإسلام أبدا.. وعاني معهم أشد أنواع المعاناة وذاق أشد الأوجاع والآلام.

وهذا سيدنا يوسف عليه السلام وهو من عاش حياته كلها يتذوق ويتضرع أشد أنواع الظلم والقهر والعذاب النفسي.. من إخوة له طردوه وفرقوا بينه وبين أخيه وبين سيدة اجترأت عليه بالإثم والبهتان..

وقاض لا يعرف معنى للعدل أدخله السجن وهو يعرف براءته فعاش سجينا مظلوما يتذوق الألم كل حين، ولكنه لم يعرف معنى اليأس وعاش بالأمل وبالدعاء والتقرب إلى الله تعالى فما كان من الله تعالى إلا الإجابة والتفريج.. وهذا يونس عليه السلام صاحب الحوت، هذا من فر من الله تعالى يائسا منه..

فما كان منه حين الابتلاء إلا الأمل في الله تعالى والدعاء( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فنجاه الله تعالى وأفضى عليه من ستره ونعمه الكثير.. إنه الأمل في الله تعالى؛ وقد قال الله تعالى { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) } [العنكبوت].

وهنا استفهام إنكار كبير، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء».

وهذه الآية كقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾، ومثلها في سورة التوبة، وقال في البقرة: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾ ولهذا قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه.

والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن، لو كان كيف يكون، وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة،