أصل كل معصية وغفلة.. الرضا عن النفس

الحكم الربانية
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

لابن عطاء الله السكندرى رحمه الله

أيها الأحباب.. هناك نوعان من الرضا:
النوع الأول: الرضا بقضاء الله تعالى، والقناعة بما قسم الله تعالى للعبد، والرضا عن الله والرضا بالدين، هذا النوع مطلوب، بل هو ضرورى وبه يصحّ إيمان العبد، لأن الله تعالى فرض على عباده الرضا بالقضاء والقدر، والتسليم بما يقدّره الله تعالى في كونه، والرضا هنا ضد الطمع، والطمع من أكبر الآفات وأعظم المهلكات.

النوع الثانى: وهو محور حديثنا في حكمة اليوم بمشيئة الله تعالى، وهو الرضا عن النفس، فالإنسان إذا رضي بعمله ولم يحقر عمله فإنه يكون على خطأ كبير.

معنى الرضا عن النفس:
الرضا عن النفس هو أن تقنع نفسك بما فيها، وأن تقبل بما أنت عليه، سواء من الناحية الدينية أو الدنيوية، فتبدأ تظهر هذا الرضا وترى في نفسك إيجابيات ربما تغفلك عن سلبيات كثيرة في داخلك.

هذا الرضا إنما هو في الحقيقة بعيد كل البعد عن معنى الثقة بالنفس، والشعور بتوفّر القدرة لدينا على تحقيق الأشياء التي نسعى إليها أو نطمح لها، فالثقة إنما تدفع إلى الهمة العالية، والعمل الجاد، والسعي الحثيث في سبيل تحقيق الفكرة أو الهدف المنشود، في حين يشكل الرضا خضوعًا وتثبيطًا واستسلاما لما آل إليه الحال.

اعلم أن أسرع سبيل للهلاك هو الرضا عن النفس، والاعتقاد بصلاح الحال والالتزام بما أمر الله ورسوله به، فيبدأ من هذه اللحظة الشعور بالزهو والغرور، ثم الانحدار في التقصير في الأعمال، لينتهي والعياذ بالله في أسفل السافلين. ولعل أبرز ما يُذكر في هذا المجال حال اليهود والنصارى إذ قالوا -كما يروي الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم- {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:111) هذا الحال أوصلهم إليه غرورهم بأنفسهم ورضاهم عنها واعتقادهم بأنهم أفضل من باقي البشر، بينما يرد عليهم جلّ في علاه بالقول "تلك أمانيهم" أي أنهم واهمون بذلك ولا يدركون حقيقة ما ينتظرهم من سوء العذاب.

من أسباب قبول الأعمال الصالحة:
1ــ استصغار العمل وعدم العُجب والغرور به.
2ــ الخوف من رد العمل وعدم قبوله، ولقد كان السلف الصالح يهتمون بقبول العمل أشدّ الاهتمام، حتى يكونوا في حالة خوف وإشفاق، قال الله عزّ وجلّ في وصف حالهم تلك:
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجلّةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } (سورة المؤمنون)
وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم: بأنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: ( كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل. ألم تسمعوا الله عزّ وجلّ يقول: { إنما يتقبل الله من المتقين} ( المائدة:27).

3 ــ الرجاء وكثرة الدعاء فإن الخوف من الله لا يكفي، إذًا لابد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله
وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.

4 ــ كثرة الاستغفار:
مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستفغار بعد العبادات، فقال بعد أن ذكر مناسك الحج: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (البقرة: 199).

نماذج من السلف الصالح:
1- هذا الصديق – رضي الله عنه – يمسك لسانه ويقول (( هذا الذي أوردني المهالك)).
2- قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لحذيفة: (( هل أنا منهم؟ – يعني من المنافقين – أَوَ سمّاني لكَ رسول الله ؟))
3- وقال حذيفة - رضى الله عنه -: (( لو جاءني رجلّ فقال لي: والله الذي لا إله إلا هو يا حذيفة ما عَملُكَ عَمَلُ من يؤمن بيوم الحساب، لقلت له: يا هذا لا تكفِّر عن يمينك فإنك لا تحنث)) .

4- كان عبد الرحمن بن هرمز الأعرج كثيراً ما يعاتب نفسه ويوبخها ويقول لها: (( إن المنادي ينادي يوم القيامة: يا أهل خطيئة كذا قوموا، فتقوم يا أعرج معهم، ثم ينادي: يا أهل خطيئة كذا قوموا، فتقوم يا أعرج معهم، ثم ينادي يا أهل خطيئة كذا قوموا، فتقوم يا أعرج معهم، فأراك يا أعرج تقوم مع كل طائفة ))