الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
في مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بتربان بلد بينها وبين المدينة بريد وأميال وهو بلد لا ماء به، وذلك من السحر، انسلت قلادة من عنقي فوقعت، فحبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسها حتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء فلقيت من أبي مالله به عليم من التعنيف والتأفيف - سقط عقدها فانتظر الرسول يبحث عنه حتى طلع الفجر، ولم يتحرك القوم وليس عندهم ماء - ، فأنزل الله الرخصة في التيمم، فتيمم القوم وصلّوا.
قالت: يقول أبي حين جاء من الله الرخصه للمسمين: والله ما علمت يا بنيه إنك المباركة ! لما جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر)).
أما عن علمها رضي الله عنها فقد ذكر أن مسند عائشة من الأحاديث يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث اتفق البخاري ومسلم منها على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثاً، ولا يوجد في النساء من هي أكثر رواية لحديث رسول الله من عائشة.
ولذلك قال الذهبي: (( لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً إمرأة أعلم منها)).
وقال الزهري: ((لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواجه وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل)).
وقال عطاء بن أبي رباح: ((كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة)).
وهذه الرواية عن عروة تُروى بوجه آخر مفصل يبين لنا أن عائشة كانت على ذكاء وافر وفطنة عجيبة يقول عروة وهو ابن أختها: ((صحبت عائشة رضي الله عنها فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآيه أنزلت، ولا بفريضة ولا بسنة ولا بشعر ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب ولا بكذا ولا بكذا ولا بقضاء ولا بطب منها)).
وكان الشعبي يذكرها - يعني عائشة - فيتعجب من فقهها وعلمها ويقول: ((فما ظنكم بأدب النبوة إذا كان هذا العلم الذي تحفظه))، أي فما ظنكم بالتربيه العملية التي تلقتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا لجأ إليها الصحابة رضوان الله عليهم ونهلوا من علمها، وأخذوا من فقهها كثيراً، كما قال ابن سعد في الطبقات: ((كانت عائشة رضي الله عنها أعلم الناس، يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
وكما قال أيضاً: ((ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون في شيء الا سألوا عنه عائشة فيجدون عندها من ذلك علماً)).
ومن الفضائل التي كانت لها أيضاً أنه كما ورد عنها قالت: ((توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي يومي وليلتي، وبين سحري ونحري، ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننت أنه يريده فأخذته - أي أخذت السواك - فمضغته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إليه فاستن به كأحسن ما رأيته مستناً قط، ثم ذهب يرفعه اليّ فسقطت يده صلى الله عليه وسلم، فأخذت أدعوا له بدعاء كان يدعوا له به جبريل صلى الله علي وسلم وكان هو يدعوا به إذا مرض يدعوا به في مرضه ذاك، فرفع عليه الصلاة والسلام بصره إلى السماء وقال: الرفيق الأعلى، وفاضت نفسه، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا)).