كتاب “ويأبَى الله”

عرض كتاب
طبوغرافي

maxresdefault

الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض

الداعية وزالمفكر الإسلامى

كتاب “ويأبَى الله”

هذا الكتاب يقدم صورًا ونماذج، ودلائل على تحقق هذا المعنى القرآنى العظيم فى ظلال قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }[ التوبة]، و{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [الصف] .

- أبى الشيءَ: كَرِهه، ولم يرضه. وفى القرآن الكريم يقول الله تعالى: {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التوبة: 32 ] .

ومعنى: ويأبى الله: أى لم يرضَ الله إلا أن يتم نوره، وهى بيان بأن الله تعالى يأبى محاولات أهل الكفر لطمس دين الله تعالى، ومنع انتشار نور الحق المبين، وأنه يتم مراد الله تعالى فى أرضه، ثم بين كيفية ذلك الإتمام، فقال تعالى :{هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} .حتى يصير دينه مستعليًا على سائر الأديان غالبًا عليها غالبًا لأضدادها قاهرًا لمنكريها، وهو المراد من قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } .

اصطفاء النبى الكريم صلى الله عليه وسلم

إن الله تعالى يصطفى من خلقه من يستطيعون التبليغ عن الله؛ ولذا جعل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم خاتمًا للرسالات ليجمع كل الخيرية التى جاء بها الأنبياء الذين أخذ الله عليهم العهد بالتصديق والإيمان برسالته صلى الله عليه وسلم .

وهذا يعنى أنه لابد للدنيا من نهاية، وما دام أن هناك رسلًا وأديانًا أرسلوا لأهل هذه الدنيا الفانية، فلابد أن يكون منهم رسول هو آخرهم وسيكون الدين الذى بعث به هو آخر الأديان قبل فناء الدنيا .

ولما كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء ودين الإسلام آخر الأديان لزم الثقلين أن يؤمنوا بهما، وأن يرضوا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسولًا مبينًا؛ ولذلك فقد أخذ الله العهد على جميع أنبيائه ورسله أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم يدركوه، فكيف بأتباعهم؟

>>الإسلام يحتاج إلى رجال صدقوا

كتاب 4

ماعاهدوا الله عليه

ولهذا لن يقبل الله تعالى من الناس دينًا غير دين الإسلام بعد بعثة النبى صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ آل عمران: 85 ] .

ولذلك كان القرآن الكريم ناسخًا لجميع الكتب السابقة، حتى لو لم تحرف وتبدل، كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } المائدة: 48 .

كتاب 3

الهداية

إن الله عز وجل جعل فى هذا الكون منابع للهدى، ومنها هداية الفطرة، وهداية السمع والبصر، وهداية الدين والرسالة، وهداية القرآن الكريم

ويصل المسلم من خلال فهم القرآن، والتعرف على الآيات الكونية فيه إلى مرتبة { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ }.

غير أن هذه الهداية تمنعها حجب الجهالة والاستكبار والإعراض عن دلائل الهدى، وانغلاق الأسماع والأبصار والأفئدة، وتقليد الآباء واتباع مذاهبهم واتباع خطوات الشيطان، وكل هذه الأشياء تجعل الإنسان رافضًا للحق كما قال عز وجل: { وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}[ الأنعام: 119 ] .

وقد عرض الله تعالى هذا المنهج القويم على الناس جميعًا، ودعاهم إليه، فمن علم سبحانه فيهم الاستعداد للهدى والصدق فى الاستقامة على الطريق، هداهم وثبتهم عليه، أولئك الذين دخلوا فى السلم كافة، أخذوا بالإسلام كله، وأخلصوا لله وجوههم، واعتصموا به تعالى واستقاموا، فكانوا هم المفلحين .

كتاب 2

والذين أعرضوا واتبعوا أهواءهم فضلوا، وسخروا من المؤمنين، وظنوا أنهم هم المهتدون، يظل القرآن يدعوهم إلى سبيل ربهم، لا يغلق فى وجوههم أبواب رحمته، ويلوح لهم بعفوه ومغفرته، ويتيح لهم الفرصة ليرجعوا إلى صوابهم، وينقذوا أنفسهم قال تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِى جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [ الزمر ].

هذا ما خاطب به القرآن الناس أيام نزوله، فاهتدى به من استمع، وصدَّق وآمن، واتبع أحسن قول أنزل للناس، وضل من أعرض، وآثر هواه، واتبع خطوات الشيطان .

 

مباحث الكتاب:

 

اصطفاء النبى الكريم صلى الله عليه وسلم

 

الهداية

 

 

الأمة الواحدة

 

 

تأثير القرآن العظيم فى النفوس

 

 

الإعجاز فى الخلق

 

 

القوة الذاتية فى هذا الدين

 

     الأمة الواحدة

إن المنهج الإلهى الذى يمثله الإسلام، كما جاء به النبى الكريم صلى الله عليه وسلم لا يتحقق فى هذه الأرض، ولا فى دنيا الناس إلا من خلال جماعة مؤمنة ملتزمة، تؤمن به إيمانًا كاملًا، وتستقيم عليه، وتجتهد لتحقيقه فى قلوب الآخرين، وفى حياتهم، كما قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } وهذا التغيير يحتاج إلى مجاهدة، وجهاد فى تبليغ رسالة الله، ومجاهدة الضعف والهوى { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ } وعندما يتكاسل بعض أفراد هذه الجماعة، ولا يؤدون دورهم المطلوب عندئذ تأتى النتائج صعبة قاسية، كما حدث يوم أحد للجماعة المسلمة، قال تعالى: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } ولقد تعلمت الجماعة المسلمة هذه الحقيقة عندما تحول النصر إلى هزيمة، والغنائم إلى دماء وآلام .

إن الإسلام يحتاج إلى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هؤلاء إذا أخلصوا فى رسالتهم فإن الله على نصرهم لقدير، ويأبى الله لهم أن يخذلوا أو يهانوا { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [ غافر: 51 ] .

وإن مرتبة هؤلاء الذين يتحملون عبء الرسالة، وجمعوا الأمة على قلب رجل واحد، هى مرتبة عظيمة { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [ الأنبياء: 92] هذه الأمة جمعتها العقيدة، وهى مقدمة على الأرض والجنس واللغة، والنسب، والمصالح المادية، لأجل هذا فإن الله تعالى فاضل بين الناس بعضهم وبعض على أساس العقيدة، مهما تكن روابط النسب والجنس والأرض جامعة بينهم، فقال تعالى { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِى اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [ المجادلة: 22] .

وهكذا نتعلم، بل ونوقن أن اجتماع الأمة باب من أبواب نصرتها وقوتها وعزتها، وأن المسلم يدور فى إطار مفهوم الأمة الواحدة التى تعهد الله بنصرة رجالها، ويهديهم سبلهم إلى الحق الذى أراد، كما قال تعالى { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [ العنكبوت: 69 ] .

العلاقة بين ويأبى الله وتأثير القرآن العظيم فى النفوس

إن الحديث عن عظمة القرآن الكريم أعظم من أن يحيط بها بشر، فكيف بمن يكتب أوراقًا محدودة ولا غرابة فى ذلك، وإذا تأملنا سنجد أن دلائل عظمة القرآن، كما بينتها آياته الحكيمة، تتمثل فى أمور متعددة منها ثناء الله – عز وجل عليه، وعظمة منزله تعالى، وكونه مستقيمًا لا عوج فيه، وخشوع الجبال، وتصدعها لو نزل عليها، وانقياد الجمادات لعظمة القرآن، وتحدى الحق سبحانه الإنس والجن بالقرآن، إضافة إلى المعجزات العديدة التى حملها بين دفتيه .

والمتدبر للقرآن الكريم يلحظ كثرة الحديث عن عظمة القرآن فى جانب كبير من الآيات والسور، ولا سيما السور المكية .

وعندما نتحدث عن مظاهر عظمة القرآن فهى أكثر من الحصر، ولكن نذكر منها كثرة أسماء القرآن، حيث سمى بأسماء عديدة منها: الفرقان، البرهان، الحق، النبأ العظيم، البلاغ، الروح، الموعظة، الشفاء، أحسن الحديث .

كما وصف القرآن بأوصاف متعددة، منها الحكيم، العزيز، الكريم، المجيد، العظيم، البشير، النذير، لأ يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه .

ومن مظاهر عظمة القرآن القرآن الكريم التنويه به فى مفتتح السور، والحديث عنه فى أواخر السور، والقسم بالقرآن وعليه .

ومن مظاهر عظمة القرآن كذلك، حفظ الله – عز وجل – له، وكونه كتابًا للعالمين، وتصديق القرآن لكتب الله السابقة، وهيمنته عليها.

وعندما نتحدث عن عظمة القرآن فى أسلوبه، فإننا نذكر مناسبة أسلوبه للعامة والخاصة، وإرضاؤه العقل والعاطفة معًا، وجود سبكه وإحكام سرده، وتعدد أساليبه، واتحاد معناه، وجمعه بين الإجمال والبيان، وإيجاز لفظه ووفاء معناه .

الإعجاز فى الخلق

إن وجود الخلق حقيقة لا يشك فيها عاقلٌ، بل هى أعظمُ حقيقة فى الوجود على الإطلاق، ولا شك عاقلٌ أيضًا أن من أنكر هذه الحقيقة بلسانه من البشر، أنه قد اعترف بها قلبه، بل قد أعلنها هو بوجوده، وأعلنتها معه الوجود كلُه من حوله، ولهذا سقطت الشيوعية، مع أنها سقطت من يوم أن وُلدت ؛ لأنها صادمت أعظم حقائق الوجود، وهى أن الوجود يدل على أنه لابُدّ له من خالق عليمٍ حكيم عظيم قادر.

وهذا الخالق العظيم سبحانه، الذى دلت مخلوقاته على عظمته وحكمته، بما أوجده من هذه الأفلاك العظيمة، وما فيها من النظام الدقيق المتناهى الدقة، وما أوجده على وَجْه الأرض من الأحياء المختلفة فى البر والبحر، والنباتات، والجمادات، وما بينها من التناسق ــ وما فيها من عجيب الصنعة ولطيف التدبير، وغير ذلك مما لا زال البشر يبحثون عن أسراره، ويسعون إلى اكتشافه، لا يُمكن أن يكون قد خلق الَخلْق عبثًا بغير حكمه، ولا أن يكون قد خصَّ الثقلين بالعقل من سائر مخلوقاته على وجه الأرض دون سبب؛ لأن هذا العمل يعارضُ حكمته وعلمه وعظمته سبحانه التى دلّت عليها مخلوقاته؛ ولذلك يقول تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }.

إن تَرْكَ البشرية دون بيان الغاية من خَلقْهم يُعارضُ حكمةَ الخالق وعظمته وعلمه، ويُعارضُ عَدْلَه أيضًا ؛ إذ فيه تكليف بما لا يدخل تحت قدرتهم، ويعارض رحمته سبحانه بعباده، وهو الذى وسعت رحمته كل شيء، بأن يتركهم هملًا بغير نظام يبين لهم فيه أسباب سعادتهم، التى خلقهم من أجله؛ ولذلك أرسل الله تعالى الرسل عليهم السلام، لبيان دينه، الذى هو نظام البشرية، الذى به يصلح أمر الدنيا والآخرة، وبه يعرف الإنسان الغاية من خلقة، ويعرف طريق الوصول إلى تحقيق هذه الغاية . إذ بغير إرسال الرسل لن يكون بإمكان البشر أن يعرفوا غاية خلقهم ولا طريق بلوغها، وبذلك لا يمكن أن يثاب من حقق تلك الغاية وأن يعاقب من لم يحققها، حيث قال تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء: 15] .

وبذلك يتضح أن إرسال الرسل هى حقيقة الثانية الكبرى، التى ألزمت بالإيمان بها الحقيقة الأولى، التى هى وجود الخالق سبحانه. فوجود الخالق يدل على وجوب الإيمان بإرسال الرسل، وهذا ما لا يصح من عاقل أن يكابر فى إنكاره .

والرسل إنما جاءوا لتبليغ دين الله تعالى، وسبق أن ذكرنا أن دين الخالق وحده هو الذى يضمن للبشرية السعادة الدنيوية والأخروية، ولذلك فإنه يلزم أن تتبعه البشرية، وهذه حقيقةٌ ثالثةٌ كبرى، سبق إثباتها شرعًا وعقلًا

الانتشار السريع للإسلام يرجع إلى سماحته وتسامحه وملاءمته للفطرة البشرية السليمة

 

القوة الذاتية فى هذا الدين

إن انتشار الإسلام لا يشابه أى انتشار سبقه أو أتى بعده من غزوات، فالدولة الإسلامية لم تقم على مبدأ القوة الذى يمنحها تفوقًا عسكريًا ساحقًا، تنشر دعوته بالقوة والإجبار.

إن سبب هذا الانتشار السريع يرجع إلى أسباب داخلية مرتبطة بجوهر الإسلام نفسه وسماحته وتسامحه، وملاءمته للفطرة البشرية السليمة، ولا يمكن تفسيره بأسباب خارجية أو حتى بضعف، أو تفكك الإمبراطوريات المهزومة مثل: الرومانية ف الشرق والفارسية، وقبائل القوط الجنوبية فى أسيا ولا حتى لأسباب عسكرية فقط .

إن هذا الكتاب من أجل المؤلفات وأعظمها مما تناول مثل هذه القضايا الفكرية، وربما ما ذكرناه لا يمثل تلخيصًا بل هو إرهاصات بسيطة من بعض ما دار فى فلك هذا الكتاب، حيث تناول الكتاب أيضًا قضايا فكرية مثل بشارات النبوة فى التوراة والإنجيل، إكرام الله تعالى لنبيه محمد، الأخوة فى الله تعالى، نصرة الله تعالى لدينه، وقالوا عن الإسلام.