الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
علمتنى الحياة أنه إذا تراكمت الهموم والأدواء، فالقرآن شفاء ودواء، القرآن يأخذك من هجير الدنيا إلى نعيم القرب، ومن ضيق الصدر إلى راحة القلب، ومن البعد إلى القرب.
عشت أنهل من هذا الدواء الربانى فى كل وقت وحين، فأشعر ببرد وسلام فى صدرى وحنين ومحبة لكلام الله فى قلبى تنقى قلبى من أشواك الأحزان، وتسكب فيه أنهار الإيمان .إذا أصابتك الهموم فالجأ إلى باب مولاك، وناجه بكلامه فالله أرحم من أن يجعل للهموم والكروب على قلب من جاء إلى بابه سبيلا .
لقد كان السابقون من الصالحين والقانتين يعرفون هذه الجنات، ويقطفون منها فى ساعات الأحزان للقلوب أغلى الثمرات .القرآن يأبى إلا أن يعز حامليه ويرفع قدرهم فى الدنيا والآخرة وأتذكر قصة لأحد العلماء الكبار كيف رفعه القرآن وكيف حفظه القرآن وكيف كان القرآن جنته التى لا يغفل عنها.
يقول هذا التابعى الجليل العلم الخاشع- بعد أن ذكر إسلامه وتعلقه بالقرآن، وهو عبد مملوك- وكان
منَّا من يؤدى الضرائب لمالكيه، ومنَّا من يقوم على خدمتهم، وكنت واحداً من هؤلاء، فكنا نختم القرآن كل ليلة مرة، فشق ذلك علينا، فجعلنا نختمهُ مرة كل ليلتين، فشق ذلك علينا، فجلعنا نختمه كل ثلاث، فشق علينا لما كنَّا نعانيه من جهدٍ فى النهار وسهرٍ فى الليل، فلقينا بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وشكونا لهم ما نكابده من السهر وقراءة كتاب الله، مع قيامنا بخدمة موالينا، فقالوا لنا: اختموه كل جمعة مرة، فأخذنا بما أرشدونا إليه، فجعلنا نقرأ القرآن طرفاً من الليل وننام طرفاً، فلم يشق ذلك علينا.فكان من أمر التابعى الجليل أن آل أمرهُ إلى امرأة من بنى تميم، وكانت سيدة فاضلة مؤمنة، فكانت لا تشقُ عليه فى الخدمة، حيث كان يخدمها بعض النهار ويرتاح فى بعضه الآخر، فتعلم- مع حفظ القرآن- القراءة والكتابة، وطلب العلم، ولما ذهب فى أحد أيام الجمع لصلاة الجمعة، خرجت معه وقالت أمام الناس: اشهدوا يا معشر المسلمين، أنى أعتقت غلامى هذا رغبة فى ثواب الله، وطمعاً بعفوه، وليس لأحد عليه من سبيل إلا سبيل المعروف، ثم نظرت إليه وقالت: اللهم إنى أدخرهُ عندك ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
فمن هو هذا الإمام إنه أبو العالية، رفيع بن مهران، لقد رفعه الله بالقرآن، وبالعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد دخل مرةً على ابن عباس- رضى الله عنهما- وهو أمير البصرة لعلي- رضى الله عنه- فرحب به ورفع منزلتهُ، وأجلسه على سريره عن يمينه، وكان فى المجلس طائفة من سادة قريش، فتغامزوا به وتهامسوا بينهم، وقال بعضهم لبعض: أرأيتم كيف رفع ابن عباس هذا العبد على سريره؟ فأدرك ابن عباس ما يتغامزون به، فالتفت إليهم وقال: إنَّ العلم يزيدُ الشريف شرفاً، ويرفع قدر أهله بين الناس، ويجلس المماليك على الأسرة، وقد رفع الله أبا العالية بالقرآن حتى قال أبو بكر بن أبى داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبى العالية وسعيد بن جبير.
كن كأبى العالية يرفعك الله بالقرآن، واترك همومك خلفك وسارع إلى كتاب الله ففيه الدواء وفيه الشفاء حيث تجد فى آياته ما ينزغك من همومك نزغًا، ويفرج لك هما وكربا، ويرفع لك قدرا وذكرا، ويحيطك حفظًا إنه القرآن دواء الهموم والأحزان.
نسأل الله العلى العظيم أن يجعلنا من أهله الذين ينبع نوره فى قلوبهم فلا تجد الأحزان مكانًا بين جوانحها.
علمتنى الحياة: أن القرآن شفاء ودواء، و يأخذك من هجير الدنيا إلى نعيم القرب من الله
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة