وحدة اللسان
من المؤكد أنَّ الإنسان المُرهق من عمله في الحياة ويشتغل فوق طاقته، يُعينه الله على ذلك إن شاء الله، ولكن حالة الإعياء التي تُصيب من يعمل فوق طاقته سواء في المنزل أم في الحياة، رجل كان أو امرأة - مثلا- تجمع بين كونها عاملة موظفة، وبين كونها امرأة مسلمة تؤدي واجبات بيتها، وواجبات زوجها وأولادها، فمن المؤكد - إذن - أن تنتابها حالة من الإعياء والجهد.
فما علاج هذا الإعياء؟ وما علاج هذا الجهد؟ ولو تأملتم – أحبائي أعزكم الله وسلمكم الله - أنَّ السيدةَ فاطمة الزهراء - رضي الله تعالى عنها - اشتكت إلى أبيها حضرة النبي الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - على أنها غير قادرة على أن تؤدي أعمال المنزل كلها، وأنها كانت في حاجة إلى خادمٍ، فعلَّمها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم البديل عن الخادم.
كلمة (الخادم) يُقصد بها خادم أو خادمة؛ لأنه لا يصح أنَّ خادمًا ذَكَرًا سيجلس مع امرأة مسلمة تقية في بيت النبوة، فما البديل عن هذا الخادم؟
ليس بالضرورة أن يكون خادمًا، ومن مشاهدات الحياة – مثلا - من الممكن أن يكون هناك أناس ليس عندهم غسَّالة حتى الآن، ويحتاجون غسّالة؛ لكبر سنهم، ولا حرج؛ لأنهم يغسلون على أيديهم، ولا مشكلة في أناس تمشي في اليوم خمسة كيلو مترات أوستة كيلو مترات؛ لعدم توفر وسيلة مواصلات، أو لعدم وجود أموال معهم لدفع أجرة المواصلات، فيبقى – إذن – أن الإنسان تنتابه حالة من الجهد.
وهناك إنسانٌ آخر يأخذ مشوارًا طويلاً حتى يستقل سيارة أو حتى قطارا، وتأتيه حالة من الإعياء، أو من الممكن أن يكون هناك أناس يستلزم عليهم في حياتهم أو في عملهم أن يقفوا حوالي ثماني ساعات أو عشر ساعات؛ لأن طبيعة عملهم تقتضي ذلك؛ حيث يعمل شخص ما في مصنع أمام آلة أو جهاز، ونتيجة كل هذا أن تُصيبَ الإنسان حالةً من الإعياءِ، وحالةً من الجُهد، وغصبًا عنه يجب عليه أن يُكمل؛ لأن هذه هي رسالته، ويحب أن يجتهد فيها، ولكنه يحتاج إلى مُعينات، والسيدة فاطمة الزهراء -رضي الله تعالى عنها - كانت في حاجة إلى هذه المُعينات، وإذا تأملنا – مثلا - إنسانا يعمل ثلاث ورديات في اليوم فهو في حاجةٍ إلى هذه المُعينات، وهكذا الشخص الذي يركب خمس مواصلات؛ لكي يصل إلى مكان عمله يحتاج هو الآخر إلى مُعينات، والذي يحمل أشياء ثقيلة لا يقدر على حملها، يحملها وحده، وليس معه من يساعده إلا الله الملك الكبير القوي الجبار، هو الآخر في حاجة إلى مُعينات، وهذا كله جميل، وهذا كله طيب، لكن الأجمل أن ترى في السنة النبوية الشريفة بيانًا شافيًا لكلِّ ما يأتي على قلبك من هموم ومشاكل حتى التعب.
إنَّ القرآن الكريم يُركِّز دائمًا على نظرية اسمها نظرية الزيادة، وهذه النظرية معناها - سلمكم الله تعالى وأحبكم، وأعزكم وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان - أنَّ الإنسانَ في حاجةٍ إلى أن يزداد قوة، يقول تعالى:{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}[هود:52].
إنَّ القوة تزداد، وهذه نظرية إيمانية لِكُلِّ إنسانٍ يشعر بالتعب والإرهاق، وسنعطيه وصفة إيمانية ليزداد عنده الإيمان، يقول تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:52]، ولكن السؤال هو: بماذا تزداد القوة، وكيف؟
? الاستغفار من أهم أسباب علاج الإعياء والإجهاد:
الاستغفار من أهم الأشياء في علاج الإعياء والإجهاد؛ فمن هدي القرآن الكريم (الاستغفار)، ومن السنة أنَّ النبي الكريم استعاض بالسيدة فاطمة الزهراء - رضي الله تعالى - عنها ببرنامج للذِّكرِ بدلاً من الخادم، برنامج منظم، برنامج سهل، وهو أنَّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم علمها: أنها عندما تأوي إلى فراشها تُسبِّح ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، وتحمد ثلاثًا وثلاثين، وتُكبِّر ثلاثًا وثلاثين تكبيرة.
إنَّ هذا برنامج لمن يقدر عليه عند النوم - سلَّمَك الله - وبعد الصَّلاةِ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، يُحيي ويُميت، وهو على كُلِّ شيءٍ قَديرٍ.
وهناك إنسان يقول: إنَّ هذا رقم كبير عليَّ (ثلاثًا وثلاثين)، ومثلها، ومثلها يعني مئة، هذا كبير عليَّ، فقال النبي الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - طبعا هذا علاج الإعياء، والنبي الكريم يتحدث بعد أن ذكرنا السيدة فاطمة - ذهب هذا الرجل إلى النبي الكريم يشكو إليه جهدا ومشقة والأحمال ثقيلة عليه؛ فعلمه النبي أن يقول هذا؛ كما علم السيدة فاطمة، يعني هذا كلام فيه خصوصية للسيدة فاطمة، وفيه عمومية لِكُلِّ الأُمَّة.
إنَّ الذي يستكثر على نفسه هذا الكلام، ويقول: من أين آتي بالوقت لكي أفعل هذه المئة؟ فإن النبي الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - بُعِثَ مُيسِّرًا، فقال: "أو يقولها عشرا"، إذن يُسبِّح عشرًا، ويحمد عشرًا، ويُكبِّر عشرًا عند النوم، وبعد الصلاة طبعا، وهذا كلامٌ صَادقٌ عَلَّمَهُ الله تَعَالى للنَّبِي الكريمِ، لكني أقول لكم بعد هذا الدرس: اعملوا، وخذوا بهذا الكلام؛ فإنَّ النبي الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - يُغذِّينا بالذِّكرِ؛ بذكرِ اسمِ الله تَعَالى، اسم الذَّات الإلهية؛ فهو مَبْعَثُ القُوَّةِ في الكونِ كُلِّهِ، وهذه نُظريةٌ إيمانيةٌ أُركِّز عليها بعد أن أشرت إلى الزيادة الإيمانية لِكلِّ ضعيفٍ، ومرهق يجب عليه أن يستغفر الله، ومن عنده إجهاد وإعياء يُسبِّح ويحمد ويكبِّر؛ فكلّ ذكر وكلّ استغفار مؤكد لا خلاف أنه تأتي فيه كلمة الله، والله تعالى يُعين عبده ويُقوِّيه، ونص الحديث كاملا: (خَصلتانِ أو خلَّتانِ لا يحافظُ عليهِما رجلٌ مسلمٌ إلَّا دخلَ الجنَّةَ هُما يسيرٌ ومَن يعملُ بِهِما قليلٌ تسبِّحُ اللَّهَ عشرًا وتحمدُ اللَّهَ عشرًا وتُكَبِّرُ اللَّهَ عشرًا في دُبرِ كلِّ صلاةٍ فذلِكَ مئة وخمسونَ باللِّسانِ وألفٌ وخمسُمئة في الميزانِ وتسبِّحُ ثلاثًا وثلاثينَ وتحمدُ ثلاثًا وثلاثينَ وتُكَبِّرُ أربعًا وثلاثينَ عطاءٌ لا يدري أيَّتُهُنَّ أربعٌ وثلاثونَ إذا أخذَ مَضجعَهُ، فذلِكَ مئة باللِّسانِ وألفٌ في الميزانِ فأيُّكم يعملُ في اليومِ ألفَينِ وخمسَمئة سَيِّئةٍ. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ كيفَ هُما يسيرٌ ومَن يعملُ بِهِما قليلٌ؟ قالَ: يأتي أحدَكُمُ الشَّيطانُ إذا فرغَ مِن صلاتِهِ فيذَكِّرُهُ حاجةَ كَذا وَكَذا فيقومُ ولا يقولُها فإذا اضطجعَ يأتيهِ الشَّيطانُ فينَوِّمُهُ قبلَ أن يقولَها. فلقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يعقِدُهُنَّ في يدِهِ)، [ أخرجه أبو داود (5065)، وأحمد (6910) واللفظ له].
أكدت دراسة علمية أنَّ الإيمانَ باللهِ عز وجل، والمحافظة على الصلاة، وأداء الزكاة والصدقات وصوم رمضان والعمرة والحج، وقراءة القرآن الكريم؛ كُلّ ذلك يكون علاجًا فاعلاً لِكُلِّ الأمراضِ النفسيةِ التي قد تُصيب الإنسان.
وأوضحت الدراسة بعنوان: "الوقاية والعلاج من الأمراض النفسية في ضوء السنة النبوية" أنَّ أبرزَ الأمراضِ النفسيةِ، هي: القلق، الاكتئاب، الوسواس القهري، الصداع، الخوف من المرض، الأرق.
? الإيمان بالله أول وسائل العلاج من المرض النَّفسي:
أكَّدَت الدراسةُ أنَّ الإيمانَ باللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - هو أولُّ وسيلةٍ لتحقيقِ الوقايةِ والعلاجِ من المرضِ النفسي؛ فأول وسيلة تُؤمِّن للإنسان أعلى مستوى من الصِّحةِ النفسيةِ هي تحقيقه الكامل للتوحيد، ومعنى الشهادتين وابتعاده عن كُلِّ أبواب الشِّركِ، واجتنابه البدع والخرافات؛ فالإيمان بالله إذا ما بُثَّ في نفس الإنسان منذ الصغر؛ فإنَّه يُعزِّز ثقته بنفسه، ويمنحه الثبات، ويحميه من الحيرة والتخبط ويكسبه مناعة، ووقاية من الإصابة بالأمراض النفسية.
كان عليه الصلاة والسلام يقول لبلال بن رباح رضي الله عنه: (يا بلال أقم الصلاة، أرحنا بها)،(صحيح أبي داود 4171)، ويعدّ الوضوء وسيلة مماثلة للوسائل التي يستخدمها أطباء العلاج النفسي لعلاج مرضاهم بالماء؛ فغسل الأعضاء بشكلٍ مُستمرٍ يُسهم في التخفيف من حِدَّةِ التَّوترِ والتقليلِ من وَطأةِ الأحزانِ والهمومِ؛ فجسم الإنسان تنتشر في أجزائه شُعيرات عَصبيةٍ تتأثر بُكلِّ ما يتلقاه العقلُ والجسدُ من انفعالاتٍ، وتعريض هذه الشعيرات للماء يؤدي لبرودها وتهدئتها.
وأكدت الدراسة أنَّ المحافظةَ على أداء الصلاة خمس مرات - مع التسبيح والدعاء وذكرِ اللهِ بعد الفراغِ منها - تمدنا بأحسن نظام للتدريب على الاسترخاء والهدوء النفسي مما يُسهم في التخلص من القلق والتوتر العصبي، والتي تمتدّ وتستمر مع المسلم إلى ما بعد الصلاة فترة من الوقت، وقد يُواجه - وهو في حالة الاسترخاء - بعض الأمور أو المواقف المثيرة للمرض النفسي أو قد يتذكرها وتكرار تعرض الفرد لهذه المواقف وهو في حالة الاسترخاء، والهدوء النفسي عقب الصلوات يؤدي إلى "الانطفاء" التدريجي للقلق والتوتر، وبذلك يتخلص من حالة القلق الذي كانت تثيره وتؤرقه.
بيَّنت الدراسة أنَّ لقيامِ الليلِ شأنًا عظيمًا في تفريج الهمومِ وتفريغِ الأحزانِ في أوقات الأسحارِ وساعةِ نُزولِ الله تعالى إلى السماء الدنيا؛ حيث يستفيق المسلم من فراشه ليقف مُصلياً مُناجياً لله، يبثه شكواه، ويُنفِّس عن هُموم أثقلت صَدره وأرَّقت مَضْجَعَهُ، ويسأله اللطف والشِّفاء من كُلِّ داء.
إنَّ أكثرَ كَلمةٍ تكررت في القرآن هي كلمة (الله)! وهي ملحوظة غريبة وعجيبة جدًا في كتاب الله تعالى أن تكون أكثر كلمة تكررت في القرآن هي اسم مُنَزِّل القرآن عز وجل: الله!
ومع تلاوتنا لهذا الكتاب مراتٍ ومراتٍ لا نرى أي خَللٍ أو تكلّفٍ أو رَكَاكَةٍ لُغَويةٍ أو بلاغيةٍ من تَكرارِ اسم الله تعالى في كتابِ اللهِ، ولكن إذا جاء أحد الأدباء، وكرر اسمه في كتابه، ولو مرات قليلة نشعر فورًا بوجود شذوذٍ، وركَاكَةٍ في التأليفِ والصياغةِ.
تخيلوا - مثلاً - شاعرًا، مثل المتنبي وهو من أعظم شعراء عصره، تخيلوا لو أنه في إحدى قصائده يذكر اسمه (المتنبي)، ثم يكرره في كُلِّ بيتٍ من أبيات هذه القصيدة.. فماذا ستكون النتيجة؟ ستكون هذه القصيدة من أسوأ أنواع الأدب.
وسبحان الله! هل شعر أحدكم بأي مشكلة في قراءته للقرآن؟ حتى غير المسلمين من الملحدين والمستشرقين والمشككين، لم يجدوا أي خلل في البناء البلاغي للقرآن نتيجة تكرار اسم (الله) بهذا الشكل الكبير.
والله إن هذه الحقيقة الرقمية الدامغة أكبر، وأوضح تحدٍ لكل من يشك أو يشكك بهذا القرآن، ونستطيع القول، وبثقة تامة: إننا نتحدى علماء العالم وأدباءه، وكل الملحدين والمشككين أن يأتوا بكتاب تكون فيه الكلمة الأكثر تكرارًا هي اسم مُؤلِّف هذا الكتاب! فلماذا لا نُشجِّع مثل هذه الدراسات العلمية؟!
أحبتي في الله! ما أحوجنا في هذا العصر لمثل هذه الدراسات العلمية التي تزيد المؤمن إيمانًا وتسليمًا لله عز وجل، وفي نفس الوقت فهي تقدم لغير المسلمين برهانًا على صدقِ تعاليمَ الإسلامِ، كذلك فإننا بحاجة لإجراء دراسات تتعلق بالعلاج بالقرآن، ودراسات تتعلق بتأثير حفظ القرآن على الأمراض، ودراسات تتعلق بتأثير الخشوع... وغير ذلك مما أمرنا به ديننا الحنيف؛ فالأمراض النفسية تفتك بالمجتمعات غير الإسلامية اليوم، ومنها ما تسرَّب إلى مجتمعاتنا بسبب البعد عن الله وكتابه وأوامره؛ فالله تعالى يقول: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)}[طه: 124-127].
? نتيجة من ابتعد عن ذكر الله:
هذه الآيات واضحة وصريحة لا لبس فيها؛ فكل من يبتعد عن الله وذكره لابد أن تتلبسه الهموم والمشاكل والأحزان؛ فالإسلام عندما أمرنا بالطهارة كان هذا الأمر لمصلحتنا، ولإبعاد الأمراض عنا، وعندما نهانا عن الفواحش كان هذا النهي لإبعاد الأمراض الجنسية عنا، وهكذا فإنَّ كُلَّ ما جَاء بِه الإسلامُ هو الخير والنفع لكلِّ مؤمن رضي بالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا.
وأدعو طلاب المسلمين وعلماءهم للإكثار من مِثْلِ هذه الدراسات، كل حسب اختصاصه؛ فطالب علم النفس يمكنه أن يدرس تأثير تعاليم القرآن على الحالة النفسية للمؤمن، ونتائج الابتعاد عنها، وطالب الطب يمكنه أن يدرس تأثير الأوامر والنواهي على صِحَّةِ الفردِ والمجتمعِ، وهذه أفضل وسيلة في عصرنا هذا؛ لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
إنَّ النصرةَ لا تكون بمجرد الشعارات والكلام، وإنما تحتاج لجهد وبحث ودراسة وإنفاق أموال؛ لأن مثل هذه الدراسات سوف تُسهم في تصحيح نَظرةِ غير المسلمين إلى الإسلام، وتُسهم - أيضًا - في زيادة محبة المسلمين لدينهم وتعلّقهم به، واعتزازهم بهذا الدين الحنيف.
2- وإليكم هذه الآيات الكريمات التي أترك لكم فيها حرية التأمل والتدبر، واستنتاج الفوائد في الدنيا والآخرة:
1- { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: 2-4].
2- {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
3- { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) }[النور: 37-38].
4- {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
5- { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) } [الزمر: 22-23].
6- {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].
7- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].
? نتيجة الذكر الكثير:
أحبائي، إنَّ نتيجة الذِّكر الكثير نتيجة مبهرة مع بساطتها؛ فالنتيجة هي: الرحمة والهداية والشفاء من الأمراض في الدنيا، والجنة والنعيم والرضا يوم القيامة، لنقرأ هذا النص القرآني، يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)) [الأحزاب: 41-44].
أما عن علاج ضعف الإنسان، فيجب أن تعلموا أحبائي -سلمكم الله وحفظكم من كل سوء- أن الإنسان حينما يستشعر الضعف تصيبه حالة من الضعف وتصيبه حالة من الوخم وتصيبه حالة من الكسل، وتصيبه حالة من أنه يتمنى أن يفعل أشياء هو مكلف بها، ولكنه لا يرغب في أن يفعلها كان تكون هناك امرأة مثلا تريد أن تنظف البيت لأولادها ولكنها لا تفعل؛ تصيبها حالة من ضعف الهمة وحالة من اللامبالاة والضعف والكسل، فكل إنسان يستسلم لضعفه، ويبقى نائما في السرير طول الوقت مع أن ذلك الإنسان لو نزل يصلي الفجر لا ستشعر قوة عجيبة، ولو ذكر الله ألف مرة لاستشعر قوة غريبة وعجيبة، فهناك إنسان آخر لا يرغب في العمل ومن الممكن أن يكون الأمر مبالغا فيه، وهو عدم الرغبة في الحياة، وكل ذلك يحدث؛ لأن الإنسان سلم نفسه للضعف، وانهزم من داخله، ومن أسباب ضعف الإنسان هو الالتفات للآخر؛ إذ يجب على كل إنسان أن يلتفت لحاله هو فقط؛ وهناك مثال على ذلك امرأة كانت تعبد الله عبادة متميزة، ولكن فاتها سنّ الزواج فجاءت عليها فترة وأخذت تقول: لم أصلي؟ ماذا فعلت لي الصلاة؟! فأنا لم أتزوج! وهكذا فإن هذه المرأة بعد أن كانت في معية الله أثابها التفات القلب وابتعد أكثر فأكثر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهكذا فإن حالة الالتفات وأن القلب يفتن وأن العينين حداقتان؛ لأنها تنظر لأحوال غيره؛ فهناك إنسان ينظر لزميله ويتعجب من نجاحه مع أنه أفضل منه في كل شيء فيصيبه فتور، وضعف بسبب الالتفات الذي صدر من قلبه، ومن هنا يأتي الاستغفار كي يقوي المناعة لدى الإنسان، ويأتي ذكر الله كي يقوي الإنسان ويمنع عنه أمراض كثيرة وأهمها مرض ضعف القلب، ومن هنا تكثر عبارات الاعتراض فهناك إنسان يقول والعياذ بالله: (لقد اسودت الدنيا في وجهي)، وهؤلاء هم أصحاب النظارات السوداء، وكل ذلك يدلّ على ضعف الإيمان في القلب، وهناك إنسان يستشعر أن مرضه صار كبيرا فيقول: (لقد اسودت الدنيا في وجهي)، ولكن الدنيا لم تسود؛ لأنك مع المرض ومع الدين ومع التوتر سترى إنسانا جديدا وسترى ربا عظيما كريما يخفف عنك الآلام والأحزان بطريقة عظيمة، والفقير يقول أيضا: (لقد اسودت الدنيا في وجهي)، ولكنها لم تسود؛ فكل هذا ابتلاء من الله لأنه يحبك، والعلاج يكمن في الذكر، واللجوء إلى الله هو الذي يعالج كل شيء، والشيء المهم قبل ذلك هو قوة اليقين في الله عز وجل، فيجب علينا أن نستمد قوة اليقين في الله عز وجل حتى ولو كنت على شفا جرفٍ هار كُن على يقين بأن الله بجوارك، فلا تيأس من روح الله عز وجل.
علاج المحسود:
أما بالنسبة للحسد أو الشيء المحسود، فإننا يجب أن نقول: (لا بأس، أذهب البأس (المرض) ربّ الناس اشفِ وأنت الشافي شفاء لا يغادر سقما، ولا يكشف الضر إلا أنت)، وهذا من الأحاديث الواقية الذي يصلح لكشف الضر باعتبار أن الحسد والعين ضرٌّ، وأنها أذى شديد، ولا يكشف الضر إلا الله عز وجل، ونص الحديث كاملا يا أحبائي ها هو: عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أتى مريضا أو أتي به، قال: «أذهب الباس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما»، [صحيح البخاري، باب دعاء العائد للمريض، 7/121].
فقه علاج المشكلات والأزمات ومعنى الشفاء:
وإني على يقين أن جميع المشكلات التي يتعرض لها الناس في حياتهم لابد أن لها علاجا واضح المعالم إما في كتاب الله تعالى، وإما في سنّة رسوله الأعظم -صلوات ربي وتسليماته عليه- وإما في عمل الصحابة، أو في عمل التابعين أو في عمل السلف، ونحن نحاول تلمس الطريق إلى أن نعالج الإنسان؛ فداخل هذا الإنسان توجد ثورات داخلية تتفاعل بداخله وتكون سببا في كثرة الهم والقلق والكرب الذي يصيب الإنسان، وإذا استسلم الإنسان لها يبدأ الجسم في حالة الانهيار.
والإنسان في هذه الحالة يحتاج دائما إلى حصن حصين، يحتاج إلى كهف يأوي إليه، ولذلك كان حديثنا في الأساس الهجرة إلى الإيواء، الهجرة إلى السند، الهجرة إلى العون، ويقول الإمام علي - رضي الله تعالى عنه – "كنا اذا اشتد البأس اتقينا برسول الله"، [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى نوع آخر من الذكر بعد التكبير، 11/396]، ويقول تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]، هذا هو العلاج {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
إن الشفاء في القرآن الكريم، وفي السنة أمر لا خلاف عليه، والله تعالى ذكر هذا، يقول تعالى: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، بل إن الشفاء - أيضا - لغير المؤمنين، وعندنا أحاديث ثابتة في البخاري تُشير إلى هذا.
وقد رأيت في المراكز الإسلامية في أوروبا في أثناء رحلتي الدعوية بعض الأوربيات غير المسلمات يضقن ذرعاً بالحياة المادية الصرفة، ولا يجدن في الكنيسة لهفة ولا غوثاً، فيذهبن إلى مركز إسلامي على سبيل التجربة، ويجلسن يستمعن القرآن، وفجأة سبحان الله، الجسم ينهار، ثم يتوازن، ينهار، ثم يتوازن حتى يهدأ البدن تماما؛ وهي غير مسلمة، وهذا هو معنى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].
إذن فأنت أيها الإنسان تستمد روحك وعزيمتك من القرآن والسنة، يقول تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}[الأنعام:122]؛ فاسترداد الروح بمعنى استرداد العزيمة، وهذه الروح والعزيمة تعطيك قدرة على زيادة المناعة في الجسم، وهو الشق الأول؛ حيث يبدأ الجسم في التعافي والاستقواء، والتغلب على أمراض توصف عند الأطباء بأنها أمراض مستعصية - سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان وبرد الإيمان - والإنسان – أيضا - يستمد الروح التي تساعده على مواجهة الظروف الصعبة الخارجية مهما كانت هذه الظروف، ومهما كانت شدتها على الإنسان.
إنَّ كل جزء في الإنسان، كل جارحة في الإنسان تحتاج إلى توافق مع بقية الجوارح من أجل تنظيم إيقاع البدن، فإذا أراد الإنسان أن يمشي مسافة معينة؛ فالجسد يصدر إشارة معينة ويرسلها إلى المخ، ثم يقوم المخ بإصدار علامات معينة، وإشارات معينة، وتلك الإشارات لابد أن تأتي في وقتها وموعدها؛ فلو تأخرت هذه الإشارات لتعطلت حركة الجسم.
ومثال ذلك: الذي يريد أن يأكل، ويمسك المعلقة في يده، ثم يرفع يده، ويرفع، ويرفع؛ فبمجرد أن تصل الملعقة إلى فمه فإن الفم يُفتح، ولو حدث تعطيل مثلا في حركة اليد، أو تعطيل بحركة الفم مثلا بمعنى عدم وجود توافق بين حركة اليد وحركة الفم تحدث - عندئذ - مشكلة كبيرة في التواصل بين اليد والفم.
ويأتي ذكر الله عز وجل وجلا جلاله؛ ليحدث هذا التوافق العجيب بين حركة الأعضاء نفسها؛ فلو كان هناك إنسان – مثلا – جالسا، وخدرت رجله، وشعر بالتنميل في الأطراف، تنميلا شديدا، ولا يقدر على الحركة، وهذه حالة تمر على الإنسان بسبب جلوسه طويلاً أو تفكيره طويلاً وهذا كله وارد، فالذي خدرت رجله يعني أصابها تنميل، أو خدر من الضعف ماذا يفعل؟.
وعندما تنتاب الإنسان هذه الحالة، فليذكر الله، ويُصَلِّ على النبي الكريم، صلوات ربي وتسليمه عليه، وهذا العلاج لابد له من إيمان، ويقين بالله عز وجل وثقة بالله، وحسن ظن بالله العلي العظيم.
وهكذا فإنكم ستلاحظون -سلمكم الله وأحبكم وأعزكم - أن كُلَّ جارحةٍ موجودة في هذا الإنسان - سلّمكم الله تعالى وأحبكم - يصيبها عطل أو يصيبها عطب، والإنسان يستطيع أن يتغلب عليها بما ذكرته لك من ذكر النبي الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.
علاج اللسان والغيظ والغضب والعصبية:
ولكن ماذا عن اللسان – مثلا - فما رأيكم في علاج اللسان؟ ونحن اليوم سنحاول أن نأخذ بعض الجوارح، وسنحاول توضيح علاجها.
إن أخطر ما يصيب اللسان هو العصبية: فالشخص حينما يكون عصبيا سريع الغضب فإنه يكون سريع الخطأ؛ إذ يُطلق هذا اللسان طلقات سريعة حارقة مارقة شارقة بارقة فارقة لا تُصد ولا تُرد؛ فضربات اللسان، وطلقات اللسان أوجع من وقع السهام؛ فعن سيدنا حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه – يقول: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَرِبَ لساني - يعني أن لسانه شديد سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم، وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان وبرد الإيمان - فلسانه شديد، كلامه قوي، كلامه صعب، كلامه أصعب من رمي الحجر، وأصعب من وقع السهام على النصل كما كان العرب يشبهون كلامهم، فقال له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: أين أنت من الاستغفار؟ بمعنى أن الإنسان عندما يلزم الاستغفار تذهب عنه حدّة اللسان، فأين أنتم من الاستغفار؟! وبقية الحديث هي: (إني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة).[رواه مسلم].
ونص الحديث كاملا – أحبائي أعزكم الله وحفظكم – هو: عن حذيفة، قال: كان في لساني ذرب على أهلي، وكان لا يعدوهم إلى غيرهم، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أين أنت من الاستغفار؟ تستغفر الله في اليوم سبعين مرة»، [سنن ابن ماجه، باب الاستغفار ، رقم 3817].
طبعا هذه ظاهرة خطيرة جدًّا، وهي ظاهرة اللسان شديد الإيقاع، سريع الغضب، سريع الشتم، سريع اللعن، سريع الطعن في الأعراض، وليس المؤمن باللعان، ولا بالطعان، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء، كما جاء في الصحيح من كلام النبي الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- وعندما طبق سيدنا حذيفة كلام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعمل به ذهبت عنه حدّة لسانه، وبدأ - رضي الله تعالى عنه - يهدأ ويكظم غيظه، ويلم انفعالاته، ولا يبعثر غضبه وانفعالاته على الآخرين؛ فاللسان مشكلة كبيرة وعلاجه كما ذكرنا لكم يكمن في الاستغفار.
علاج الغضب وحدة اللسان:
إن اللسان هو الذي يعبر عن حالة الغضب؛ فالشيطان يريد منك أن تخطئ وتغلط، ويسيطر عليك ويسيطر على لسانك، ويسيطر على خلايا معينة في مخ الإنسان توجه الإنسان توجيهات معينة في ساعة الغضب، فيجب أن تحذروا من ذلكم الشيطان.
علاج سريع وخفيف للغضب من الصيدلية المحمدية، يقول: عن سليمان بن صرد، قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحدهما احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد" [صحيح البخاري، باب صفة إبليس وجنوده، 4/124].
قضاء الدَّين:
ومن الأمور التي تؤثر في تركيبة الإنسان وفي سرحان ذهنه، وتشتت عقله هو (الدَّين)، وهو مشكلة كبيرة تعتري الناس، وقد تعوّذ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الدَّين، وكان الصحابة الكرام يتعجبون من كثرة قول النبي الكريم في علاج الدين: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) [صحيح البخاري، باب الدعاء قبل السلام، 1/166]، المأثم هي الأشياء التي تعجل بالمعصية، والمغرم هي الأشياء التي تجعل الإنسان غارما أي مدينا، وهناك ارتباط بين المأثم والمغرم؛ لأن الإنسان المدين يقع في الإثم فلو أن هناك إنسانا محترما استدان بعض المال لقضاء حاجة معينة، ولكن الظروف اشتدت عليه، والظروف قاسية عليه، وهو لا يستطيع رد هذا الدين، ولا يستطيع أن يواجه الإنسان الذي أخذ منه المال فيختفي عنه ويخفي نفسه عنه، ويضطر للكذب بأن يقول: سأسدد لك الأموال في وقت كذا ويأتي الوقت وأنت لا تستطيع قضاء الدين، ولهذا فقد ربط النبي الكريم بين المأثم والمغرم؛ لأن الدين كان سببا في أن جعلك إنسانا كذابا، وأنت لم تكن كذلك وأنت لست أصلا من أولئك الناس الذين يستحلّون أموال الناس بالباطل؛ فنيتك حسنة في إرجاع هذه الأموال ولكن الظروف شديدة عليك وأنت لا تقدر، ومن هنا كان خطورة الدين وارتباطه بالمأثم كما بين النبي الكريم، صلوات ربي وسلامه عليه، كما أن الأمر يتطور بعد ذلك إلى الزور وإلى الهم ويتحوّل الإنسان المدين إلى إنسان مهموم، ثم يتحول إلى إنسان مريض، وهكذا فإن الدين يؤدي في النهاية إلى المرض.
علاج الدّين هو أن يقول المسلم: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26، 27]، ثم يقول: يا فارج الهمّ، يا كاشف الغمّ، يا مجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك، واقض ديني، فإن الله عز وجل يقضي عنه دينه، وفيها اسم الله الأعظم.[الفوائد لابن مندة، 1/ 126]. وهناك حديث آخر مهمّ جدا لعلاج الدين والفاقة والفقر، وهو: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك) [مسند الإمام أحمد بن حنبل، 2/ 438].
ومن الأدعية والأحاديث المهمة: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي).[سنن أبي داود، باب في الاستعاذة، 2/ 92].
وهناك دعاء وحديث مهم لرفع الدين والهم والغم وكل شيء، وهو: (اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي) [مسند أحمد، 6/ 247، برقم 3712، ورقم 4318، والحاكم، 1/509].