الحكمة من خلق الشيطان.. وهل فيه منافع للمؤمنين؟!

محاضرات
طبوغرافي

بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامي

الفضيلة - جريدة الفتح اليوم

الحكمة من خلق الشيطان

وجود الشيطان فيه منافع للمؤمنين، ولولا ذلك لتعطلت التوبة والاستغفار والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه يوجد مصدران للشر يحولان بين العبد وربه وهما (هوى النفس) و(وسواس الشيطان) .

قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} [سورة الشمس].

فكل إنسان قلبه دافع للخير، وفي قلبه أيضًا مكان للهوى.

ووسوسة الشيطان هي المصدر الثاني للشر لقد امتنع الشيطان من السجود لآدم، فلما تيقن خلوده فى النار طلب من الله سبحانه وتعالى أن يمهله لإغواء بني آدم وأخبر تعالى أنه قد أقسم بعزة الله على إضلال بني آدم فقال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص 82] والإغواء: هو الإهلاك والإضلال والإبعاد {إلا عبادك منهم المخلصين} أي : إلا من أخلصته منهم لعبادتك، وعصمته من إضلالي، فلم تجعل لي عليه سبيلاً.

واقتضت حكمة الله أن يتركه ليتحقق الكمال من خلال الابتلاء للإنسان ويتحقق عدل الله مع إبليس بالرغم من عدم سجوده فأمهله.

ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه أنه كلف بكل إنسان ملكًا من الملائكة يقترن به يهتف له بالخير والإيمان فى مقابل هتاف الشيطان:

 روى الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود -  رضي الله عنه - أن رَسُول الله صلي الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّل بهِ قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُول الله، قَال: وَإِيَّايَ وَلكِنَّ الله أَعَانَنِي عَليْهِ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِحَقٍّ)) .

وروى الترمذي أيضا وحسنه من حديث عبد الله رضي الله عنه أن رَسُول الله صلي الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ للشَّيْطَانِ لمةً بِابْنِ آدَمَ، وَللمَلكِ لمةً، فَأَمَّا لمةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لمةُ المَلكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلكَ فَليَعْلمْ أَنَّهُ مِنَ الله فَليَحْمَدِ الله، وَمَنْ وَجَدَ الأخرى فَليَتَعَوَّذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللهُ وَاسِعٌ عَليمٌ}.

وإذا تأملنا في خلق إبليس لعلمنا أن في خلق إبليس منافع للمؤمنين الذين ثبتهم الله على الحق، وكتب لهم الاستمساك بالهدى.

فمن هذه الحكم كما يقول ابن القيم: أن يكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه ومخالفته ومراغمته في الله وإغاظته وإغاظة أوليائه والاستعاذة به منه والإلجاء إليه أن يعيذهم من شره وكيده.

ومنها خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعد ما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية.

ومنها أنه سبحانه جعله عبرة لمن خالف أمره وتكبر عن طاعته وأصر على معصيته.

ومنها أن المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضى ونحوها أحب العبودية إلى الله سبحانه وهذه العبودية إنما تتحقق بالجهاد وبذل النفس لله وتقديم محبته على كل ما سواه، فالجهاد ذروة سنام العبودية وأحبها إلى الرب سبحانه .

وقد اقتضت حكمة الله أن تظهر آثار رحمته، وعدله فلولا وجود إبليس لتعطلت كثير من وظائف العبودية كالتوبة، والاستغفار، والتناصح والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله وغير ذلك يقول الله تبارك وتعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [هود: 119].

يقول ابن القيم: ((فلو لم يقدر الذنوب والمعاصي فلمن يغفر؟ وعلى من يتوب؟ وعمن يعفو ويسقط حقه؟ ويظهر فضله وجوده وحلمه وكرمه وهو واسع المغفرة)).

نسأل الله العلي العظيم أن يقينا كيد ، وأن يجعلنا من أهل الإنابة والإحسان ، وأن يمن علينا بالقبول والغفران إنه نعم الرب ونعم النصير.