هلال رمضان ينادى المشتاقين.. للنظر إلى وجه رب العالمين

محاضرات
طبوغرافي

بقلم/ 

فضيلة الأستاذ الدكتور احمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامي

 

أمامك ثلاثون يومًا، المآذن التي تزينت في هذه الليلة، ماذا فعلَتْ في قلبك؟ الذين يصلون الفجر الليلة في المساجد، يجدونها عامرة بـصورة جميلة، ماذا فعل الصيام في الناس؟ ماذا فعل رمضان في الناس؟

أهلًا بك يا رمضان، ملأت الدنيا كلها نورًا، نور الإقبال، حالة من الطاعة، وحالة من السكينة برؤية  الهلال، ما بالكم عندما تصومون رمضان؟ وما بالكم عندما تأتي ليلة القدر؟ وما بالكم عندما تأتي ليلة الجائزة؟ والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل رمضان استقبالًا خاصًّا.

 هلال2

 خصوصية رمضان:

هو شهر عظيم كريم مبارك، هذا الشهر حبيب إلى قلوبنا، في رمضان تُعتق الرقاب، وفيه موجبات الرحمة، وفيه عزائم المغفرة، موجبات الرحمة، الأشياء التي يرحم بسببها العباد، التي يعطيها الله تعالى لـأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذا كان أول ليلة من رمضان نظر الله تعالى، إلى أمة الحبيب، نعم، وهذه النظرة هي نظرة الرحمة، لـأنهم سـيصبحون صائمين، لقد اعتزموا النيّة، واستعدوا، الرحمن الرحيم ينظر إليكم في هذه الليلة، كما نظر إلى قلوبكم في ليلة النصف من شعبان.

لا خلاف أن الله تعالى، ناظر إليك، الله تعالى معك، الله تعالى رقيب عليك، لكن نظرته إليك في هذه الليلة، هي نظرة عناية، عناية بـأمة رمضان، اللهم ما قدَّرت لـعبادك، وما صرَّفت لـعبادك في هذه الليلة الكريمة، من فوز ورحمة وبركة، فـاجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب.

 

ما أجمل أن يعرض الإنسان نفسه لهذه النفحات الكريمة:

 

سـنستقبلك يا رمضان بصفات العفو والصفح، يقول تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، شخص يقول: أنا لا أستطيع أن أسامح، كيف أسامح وقد أُهنت، وكذا، وكذا، لكن كي يقبل الله تعالى منك الصيام يجب عليك أن تسامح، وكي يجود الله تعالى عليك بـرحمته، انظر: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، الإنسان لا يسامح فقط، بل يسامح ويصلح ما بينه وبين أخيه.

لا أتصور أن هناك شخص سـيصوم ثلاثِين يومًا عظيمة، وبينه وبين أخيه أو أخته عداوة، كيف سيشعر بلذة وحلاوة الصيام؟ وهو يقابل أخاه، ولا يقول له: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف هذا؟: { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } هذه مرتبة ثالثة، ورابعة، المرتبة الأولى، من عفا وأصلح أجره على الله، الله تعالى هو الذي يكافئُك، أن يقول الملك، أنا عفوت عنك، انتهت القضية، الأجر على الله.

الله تعالى عنده الجزاء الأوفى، عنده العطاء الأكمل، عنده الكرم الأعلى، من صبر وغفر، أي: تحمل، وبعد أن يتحمل الأذى فـإنه يغفر لمن آذاه، ويعفو عمن ظلمه، أي قلوب هذه؟ شخص يُظْلَمُ، ويعلم أنه مظلوم، ويعرف أن حقَّه انتُقص، وبعد ذلك يأتي إلى ظالمه، يومًا من الأيام، يقول له: سامحني، أنا أخطأت في حقك، وأسأت إليك، أنا كنت في ساعة غفلة:{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } الله تعالى هو الذي يفصل بيني وبينك، أما أنا فـإني قد تنازلت عن حقي عندك:{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}

 

رمضان رحمة لأناس ونذير لآخرين:

قال الملك: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }

فيأتي رمضان، وفي مجيئه رحمة على كثير من الناس، وعذاب على آخرين، من الذين لا ينوون إعطاء رمضان حقه من العبادة.

الذى لا يصوم ولا يقوم الليل فإن رمضان سيكون بالنسبة له عذابًا, فالنبى صلى الله عليه وسلم أخبر بأن رمضان سيكون حجة، إما لنا أو علينا.

إنني أقف عند الدلالات اللغوية، وهي مهمة وثرية، الذي يتأمل كلمة رمضان، يأخذ من حرف ال(ر)، في أولها، الرحمة، لا خلاف على هذا، مجئ الرحمة، ومَقْدِم الرحمة، ويأخذ من حرف (ض) و(ا) الرضا، فـصار رمضان، هو السُلَّم إلى مرضاة الله عز وجل.

حروف ال(ر، ض، ا) تكون كلمة رضا، وهي التي نسعى أنا وأنت وهو وهى إليها فاجعل لسان حالك: {لعلك ترضى} الإنسان يسجد كي يرضى عنه الله تعالى، يطوف كي يرضى عنه الله، يصوم كي يرضى عنه الله، يقوم الليل كي يرضى عنه الله، {لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ}، { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }، {رضيَ الله عنهم، ورضوا عنه}، إذن، هذا هو هلال شهر الرضا.

 لو أضفنا حرف ال(ن) على ( ر، ض، ا) التي تأتي في آخر كلمة رمضان، لأخذنا معنى الرضوان، {ورضوان من الله أكبر} خازن الجنة يقال له رضوان.

إن الله تعالى إذا رضيَ عن عباده، أباح لهم النظر إلى وجهه الكريم، إن الله تعالى لا يبيح النظر إلى وجهه، إلا لمن وصلوا لمرحلة الرضا والرضوان، الذين ينادَى عليهم عند موتهم، { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } لذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ومن ختم له بـصيام دخل الجنة" فالذي يموت في هذه الليلة على الصيام، فقد بلغ مرتبة الرضا، ورفعه الله تعالى إلى مرتبة الرضوان.

المنادي ينادي، وليس المسحراتي هو الذي يوقظك الساعة الثانية أو الثالثة لا، هلال رمضان هو المنادى، ربى وربك الله، هلال خير ورشد، هكذا نرحب بك يا رمضان، وهكذا نسعد بك يا رمضان، إنك أيقظت همتنا، { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي } استعدوا، رمضان على الأبواب، ما أجملك أيها الهلال {مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} ينادي للإيمان و للصلاة، ولزكاة الفطر، وليلة القدر، وصلة الأرحام.

أبواب الرحمات فتحت، مجالس العلم، صلاة القيام، قراءة القرآن، الدعاء عند الإفطار، هذه ساعة إجابة، اسأل ربك بـرحمته عند الإفطار، اسأل ربك الذي ظمأت لأجله، اسأل ربك بـهاتين الشفتين الذابلتين، اسأل ربك بـهاتين العينين الدامعتين، اسأل ربك بـهذا القلب الشاكر، اسأل ربك بـهاتين اليدين المتضرعتين.

هل أعددت قلبك لرمضان؟ ما هي الأوقات التي يخلو فيها قلبك لذكر الله؟ ماذا أعددت في بيتك بما يذكِّر أولادك، والناس بـرمضان؟

رمضان، (ا، ن) أي: آن وقت المجاهدة، آن وقت السعي إلى الله تعالى، وآن وقت الرحمات، آن وقت الرضوان، آن وقت الدعاء، آن وقت صلاة القيام، آن وقت ختم المصحف خمس أو ست مرات فى هذا الشهر العظيم.