بقلم/ د. سعيد الشوربجي
الدرس الأعظم الذي يمكن أن نستفيده من شهر رمضان هو أن نحافظ على "المكتسبات" التي حصلناها فيه ونتمسك بالنفحات والفتوحات الربانية التي أكرمنا الله بها في هذا الشهر العظيم، لأننا بالتأكيد تغيرنا فتحسنت عاداتنا وارتقت عباداتنا وإلا فإن الذي يدخل رمضان ويخرج منه كما دخل فقد خاب وخسر وهو الشقي المحروم دعا عليه جبريل بالهلال والذل وأمّن الرسول الكريم على دعائه.
فإن كنت في رمضان قد اجتهدت في تحصيل التقوى وإرضاء الله فصمت يوما طويلا شديدَ الحَرّ لا تبتغي إلا الأجر والجزاء من رب الأرض والسماء وحافظت على صلاة الفرض في جماعة رغبة في الفوز بالرضوان بل اجتهدت فصليت التراويح والتهجد والوتر وأكثرت من الدعاء والذكر ومنعك القرآن بتدبره وتلاوته وقيامه من النوم في ليل الصيف القصير وجاهدت نفسك في صومك فأمسكت لسانك وأصلحت قلبك وجَنانك ووصلت رحمك وأخرجت زكاتك لوجه الله الكريم لا تريد من الناس جزاء ولا شكورا بل تصدقت وتكرمت على عباد الله وكنت جوادا على من حولك ففطرت صائما وأعنت محتاجا وأطعمت فقيرا وأغنيته عن ذل السؤال في هذه الأيام العجاف، عفوت عمن ظلمك وأعطيت من حرمك، وسارعت في المعروف وأغثت الملهوف، فإن كنت فعلت هذا أو قريبا منه ابتغاء مرضاة الله فهل تخسره إذا مضى رمضان وولت أيامه الحِسان؟
لقد برهنت بسعيك المبرور وجهدك المشكور على القدرات الجسدية والنفسية الهائلة التي أودعها الله في الإنسان المؤمن وظهرت منك العزيمة على الطاعة وأرغمت نفسك الأمارة بالسوء على الالتزام بطاعة الله، لقد اجتهدت في عباداتك وغيرت من عاداتك في النوم واليقظة والطعام والشراب والمعاملة وارتقيت في درجات التقوى والإيمان ما استطعت حتى امتنعت عن الحلال المباح وأقلعت عن الحرام الصُّراح واستبرأت لدينك وعرضك من الشبهات ، فلا تترك هذه المكتسبات بعد رمضان ولا تكن لقمة سائغة للشيطان الذي كان مصفدا في رمضان وسيعود لحربك بعده، بل أرغمه كما أرغمت نفسك التي بين جنبيك وحاربه كما حاربت هواك وكان حالك ومبتغاك هو شعار الصالحين والأنبياء (وعجلت إليك ربِّ لترضى) فتقربت من ربك الذي اعتق رقبتك في شهر العتق وأدبت نفسك بالجوع والحرمان المشروع. وذقت حلاوة الصبر والإيمان والقرآن وحررت روحك من أسر هواك وانتصرت على شيطانك الذي أغواك.
وخلاصة القول يا عباد الله أن "رمضان سوق الإيمان" أقامه الرحمن لعباده وأوشك أن ينفض، واشترى كل واحد ما استطاع من "بضاعة الطاعة" ابتغاء أن يزيد ربحه وترتفع درجته، وينتفع بما جناه من تجارته مع الله، فالأحمق هو من أضاع رأس ماله وكسدت بضاعته، والتقي الذكي هو على أقل تقدير من حافظ على هذا الخير الوفير من مكتسبات رمضان فربح بيعه وأرضى ربه.
(تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأمتنا جميعا بخير حال)
ربح البيع
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة